Site icon IMLebanon

14 آذار لإنقاذ نفسها بمعارضة الوصاية البديلة خلط الاوراق السياسية أربك القواعد وبدّد الثقة

يستسهل سياسيون كثر الكلام على أزمة قوى 14 آذار عشية إحياء الذكرى الحادية عشرة لاغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه، استنادا الى تفجر هذه القوى وتشرذمها على أثر توجه اثنين من أركانها، أحدهما الى دعم ترشيح النائب سليمان فرنجية للرئاسة، والآخر الى دعم ترشيح العماد ميشال عون للرئاسة. الاستسهال يتم على خلفية أن المؤشرات المنذرة بذلك تحصل منذ سنتين، وهناك شخصيات قاطعت اجتماعات 14 آذار لعدم رغبتها في تغطية الاحزاب الكبيرة التي تأخذ الكل بجريرتها. يضاف الى ذلك أن الناس تعبت من الاصطفاف بين فريقي 14 و8 لانه يقسم البلد سياسيا ويمنع قيامته. والازمة حقيقية لان جمهور هذه القوى الذي يشكل مبادئ 14 آذار لم يقتنع بأي من الترشيحين، ايا تكن الاسباب السياسية لذلك، لانه لم يتم احترام القواعد الشعبية بالحد الادنى، وتم الذهاب من النقيض الى النقيض في تحول سياسي لـ180 درجة يبرر المصالحة بين الدكتور سمير جعجع والعماد ميشال عون، لكن لا يبرر دعم ترشيحه للرئاسة، كما يبرر انفتاح الرئيس سعد الحريري على النائب فرنجية لكن من دون دعمه للرئاسة ايضا، وفي خانته رصيد يحتاج الى مزيد من الوقت لإقناع الرأي العام اللبناني بأنه جرى في ظروف معينة او ان الظروف السياسية تملي براغماتية سياسية.

ويروي سياسيون مطلعون ان الرئيس الشهيد رفيق الحريري اقترح انتخاب النائب فرنجية عام 2004 بدلا من التمديد لإميل لحود، وحاول إقناع بشار الاسد بذلك من دون طائل، إذ أصر الاخير وفي معرض تحديه التهديد الاميركي – الفرنسي بقرار في مجلس الامن حول احترام سوريا اجراء انتخابات رئاسية حرة، على التمديد للحود في ظل التهديدات المعروفة التي ساقها عن تكسير لبنان فوق رأس الحريري والنائب وليد جنبلاط. وليس أكيدا أن هذه الرواية تدعم خيار الحريري، باعتبار أن والده سبق أن لجأ الى هذا الاحتمال، او انها تسجل عليه مأخذا اضافيا انطلاقا من مدى ارتباط فرنجية بالرئيس السوري، لكن المزيد من التشرذم وقطع طريق العودة الى ما كان بين قوى 14 آذار، وهذا ما يخشاه كثر، باعتبار أن جعجع انما رشح عون ليس اقتناعا به، باعتبار ان الاقتناع لا يولد بين ليلة وضحاها، وجعجع لم يكن مرة مقتنعا بعون رئيسا، باستثناء ما بعد كشف نية الحريري بدعم فرنجية، لكن من اجل تعطيل هذا الدعم. واستمرار الحريري على خياره في مقابل استمرار جعجع على خياره، سيبقي الازمة كبيرة وعلى توترها بين هذه القوى.

أزمة 14 آذار المشرعة تغطي على التأزيم الذي لا ينحصر واقعيا فيها، بل يطاول وفق مصادر سياسية مراقبة البلد ككل بأبرز أطرافه، أكان العماد عون الذي ينبغي ان يجيب عن اسئلة فعلية حول عدم رغبة الحزب في المونة على فرنجية لسحب ترشيحه، خصوصا بعدما حظي بدعم خصمه المسيحي له، او “حزب الله” نفسه. والكلام ليس على اساس 6 و6 مكرر بحيث ان الكلام على الازمة الكبيرة في 14 آذار ينبغي ان ينسحب على قوى 8 آذار. لكن هذه الاخيرة يتواجه بها مرشحان كانا يجلسان ايضا الى طاولة واحدة، فيما الحزب، وان كان حظي بترشيحين من حلفائه، الا انه في رأي المصادر المعنية، وهي ليست من خصومه، يعاني متغيرات طاولته جوهريا تبعا لتدخله في سوريا، حيث الانتصار لم يعد انتصارا له بمقدار ما تأخذ روسيا الواجهة ايضا في انقاذها النظام اخيرا من الانهيار وبطلب من ايران لتدخلها بعدما عجزت هذه الاخيرة عن متابعة ذلك وحدها. وهذا ما يجعل من روسيا ايضا شريكة في الرئاسة اللبنانية على عكس ما تشيع انطباعات عن انخراط اميركي في موضوع الرئاسة، وهي التي ينقل عن مسؤوليها الذين يتابعون الوضع في لبنان عدم ميلهم أصلا الى وصول اي مرشح من الاربعة الذين كرسوا انفسهم المرشحين الاقوياء، بغض النظر عن احتمال مآل الامور في النهاية. وفيما يتصدر التطورات اخيرا التقاط النظام السوري أنفاسه بعد التدخل الروسي، فإن سوريا لم تعد هي التي تحمل الحزب، بل هو الذي يحمل النظام في ظل مخاوف حقيقية ودائمة من فتنة سنية – شيعية تشعلها التطورات الميدانية هناك.

كثر رغبوا في كسر الاصطفافات بين قوى 14 آذار وخصومها، خصوصا ان المحور الاساسي الذي نشأت حوله القوتان كان موضوع تدخل سوريا ووصايتها على لبنان. أما وقد باتت سوريا في مقلب آخر ولم تعد مؤثرة ولن تعود كذلك قبل عقود، حتى لو أبقي الاسد في السلطة حماية لمصالح ايرانية او روسية، فإن جوهر الاصطفاف تغير. ولكن هل أفقده ذلك علة وجوده؟ البعض لا يرى ذلك ما دامت ايران ورثت النظام السوري في لبنان عبر الحزب وسيطرته على مفاصل الحياة السياسية في لبنان. وهو ما لا يزال يجمع عليه من كانوا أركانا في 14 آذار، فكان الموضوع في صلب البيان الاخير لكتلة “تيار المستقبل”. لكن عشية ذكرى اغتيال الحريري تبدو خسارة 14 آذار جسيمة للبنان، لأنها لا تعني خلطا سياسيا للاوراق والتحالفات، وان كانت تترجم بذلك، بل لان 14 آذار كانت اصطفافا عابرا للطوائف من جهة ولانها كانت تعطي زخما للشباب للدفاع عن قضية لبنان من جهة اخرى. والخطورة الكبيرة ان تفقد هذه القوى ايمان الناس بها واهتزاز ثقتهم بقياداتها، كما يقول كثر، لانها وضعت مصالحها الشخصية امام مصالح الوطن شأنها شأن جميع الآخرين في هذا الاطار.