نجحت 14 آذار من خلال ردة الفعل السريعة والجريئة لوزير العدل أشرف ريفي في إسقاط محاولة سورية لإطلاق الوزير ميشال سماحة، ما يعني أنّ ما ينقص هذه الحركة هو المبادرة السياسية من أجل ربط النزاع.
حاول النظام السوري تمرير ملف سماحة في لحظة مفاوضات خارجية، ومواجهات عسكرية في القلمون، واحتدام سياسي في الداخل على خلفية التعيينات العسكرية. فرأى أنّ التوقيت أكثر من مناسب لتهريب هذا الملف وسط انشغالات ديبلوماسية وعسكرية وسياسية.
ولكنّ ردة فعل 14 آذار كانت غير منتظرة ولا محسوبة ولا متوقعة من قبله، حيث اعتقد أنّ انتقاد القرار لن يخرج عن سياق تسجيل المواقف، وانّ الانشغالات في أكثر من ملف وقضية كفيلة بتجاوز هذا الملف في يومين كحد أقصى، فيكون «اللي ضَرب ضَرب واللي هَرب هَرب».
إلّا أنّ السقف الذي وضعه ريفي منذ اللحظة الأولى للمعركة قلبَ المقاييس، لأنه تجاوز الحكم إلى استهداف المحكمة العسكرية، واضعاً نصب عينيه هدف إسقاط هذه المحكمة قبل إسقاط حكمها.
وأهمية موقف ريفي أنه ربط نزاعاً، ليس مع ملف سماحة، بل مع المحكمة العسكرية نفسها، أي نقلَ المعركة من مكان إلى مكان آخر، وهذه النقلة كفيلة لوحدها بتعديل القرار القضائي الذي هو سياسي بالأساس، وذلك على قاعدة إعادة النظر بالحكم مقابل التراجع الفعلي لا الشكلي عن مطلب إلغاء المحكمة العسكرية، حيث أنّ 14 آذار لا يمكنها التراجع عن هذا المطلب، ولكنها تُبقيه ضمن مطالبها المعلنة والمرفوعة.
فهناك نوع من مقايضة غير مباشرة حصلت أو ستحصل، وهي التراجع عن مطلب إلغاء المحكمة العسكرية مقابل تراجع الأخيرة عن حكمها في قضية سماحة-المملوك. ولا داعي في هذا السياق لتشريح هذا الحكم الذي يشكّل إساءة للمحكمة العسكرية والقضاء والدولة ومنطق المؤسسات. ولكن في مطلق الأحوال، إنّ المقايضة المُشار إليها ليست كناية عن صفقة ولا نتيجة تفاوض، بل حصيلة ميزان القوى القائم.
فميزان القوى القائم يسمح بإسقاط حكم المحكمة العسكرية، ولكنه لا يسمح بإلغاء المحكمة، إنما في حال أصرّت المحكمة على حكمها تختلف عندذاك طبيعة المواجهة التي يمكن أن تؤدي إلى كسر الحكم والمحكمة معاً. وفي المقابل لَو لم يضع وزير العدل هذا السقف لكانت بقيت المحكمة ونفّذ الحكم.
وهذا لا يعني انه لا يفترض بقوى 14 آذار أن تذهب إلى النهاية في مطلبها، إلّا أنّ ميزان القوى لن يسمح لها موضوعياً بالذهاب أبعد من ذلك، ولكنها مُلزمة مواصلة هذه المعركة، لأنّ إعطاءها أيّ إشارة تراجع عن هذا المطلب يمكن أن يُشتمّ منها أنها تنمّ عن ضعف، ما يجعل المحكمة تصرّ على قرارها، وبالتالي هناك توازن دقيق نشأ بين 14 آذار وبين المحكمة ومن خلفها، هذا التوازن الذي سيجعل الأمور تعود إلى ما قبل صدور الحكم وأن تقف عند هذا الحد الآن.
فالمحكمة بعد هذا القرار تحوّلت إلى هدف ولَو مع وَقف التنفيذ، وأيّ تبدّل في ميزان القوى لمصلحة 14 آذار سيدفعها إلى إلغاء هذه المحكمة فوراً. فهي وضعت نفسها في هذا الموقع، وهي مَن بادر إلى فتح المواجهة، وإذا كانت الأمور ستقف اليوم عند مرحلة التمييز، فإنها لن تكون كذلك في المستقبل.
وقد نجحت 14 آذار باستعادة المبادرة السياسية وإظهار قدرتها على التأثير عندما تصمّم على المواجهة، ولكن يجب الإقرار بأنها استفادت من ثلاثة عوامل أساسية: كون المواجهة مع النظام السوري، وكون «حزب الله» نأى بنفسه عن هذه القضية منذ توقيف سماحة، وكونها بادرت سريعاً إلى الرد على قرار المحكمة.
فالمواجهة مع النظام السوري لا تثير «حزب الله»، والدليل أنّ النائب وليد جنبلاط تلقّى التهنئة لهجومه على النظام وتحييده الحزب، كما أنّ كسر النظام بمسألة معينة في لبنان لا تثير الحزب أيضاً.
والذي، منذ لحظة اطّلاعه على القرائن والإثباتات من قبل الشهيد وسام الحسن، لاذَ بالصمت مسلّماً بالوقائع. وإنّ إتيانه على موضوع القضاء أمس في بيان كتلة «الوفاء للمقاومة» جاء بشكل عابر وعمومي في رسالة ضمنية داخلية ونتيجة تدخلات واتصالات تحضّه على التدخّل، فاكتفى بجملة مقتضبة على طريقة رفع العتب.
ويبقى أنّ ما حققته 14 آذار يؤشّر إلى مسألتين: المسألة الأولى أنّ تحقيق انتصار في مرمى النظام السوري وفي قضية مكشوفة ومحروقة أمر ممكن ومُتاح، لأنّ النظام انتهى في لبنان.
لكنّ هذا لا يعني انّ هذا الانتصار يمكن ان ينسحب على القضايا المتّصلة بحزب الله، حيث يمكن لقوى 14 آذار أن تربط نزاعاً حقيقياً فيها في هذه المرحلة، بدلاً من التسليم للحزب بتفوّقه. والمسألة الثانية أنه عندما تقرّر 14 المواجهة تستطيع أن تفعل وتؤثّر. وبالتالي، ما حصل في قضية سماحة يجب أن يشكّل دينامية هجومية تعيد عبرها حضورها المتوازن داخل مؤسسات الدولة من أجل أن تمنع استخدامها من قبل الحزب.