IMLebanon

14 آذار تُحذّر من «فخّ» المؤتمر التأسيسي: لن نتنازل عن صلاحيّات رئىس الحكومة والمسيحيّون خاسرون

في حزيران من العام 2012، دعا أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله في كلمة له ألقيت عبر شاشة عملاقة وضعت في قصر الأونيسكو في بيروت، بمناسبة الذكرى السنوية الثالثة والعشرين لرحيل الإمام الخميني، إلى إقامة «مؤتمر حوار وطني، ومؤتمر تأسيسي وطني في لبنان…». واليوم، وفي حال مرور الأسبوعين المُقبلين من دون حلّ مسألة التعيينات الأمنيّة، قبل حلول موعد إحالة مدير عام قوى الأمن الداخلي اللواء إبراهيم بصبوص إلى التقاعد في 5 حزيران المقبل، فإنّ الأمور مُرشّحة لأن تأخذ منحى تصعيدياً، نتيجة خطوات مُنتظرة من جانب «التيّار الوطني الحرّ» على المستوى الحكومي. وفي حال تضامن «حزب الله» مع أيّ خطوة «عونيّة» تصعيديّة، ستُجاريه قوى «8 آذار» بشكل تلقائي، وعندها سيعود بقوّة طرح خيار «المؤتمر التأسيسي» بحجّة الخروج من وضع الشلل القائم، الذي سينحسب حتماً على مجلس الوزراء في ظلّ الفشل في إنتخاب رئيس للجمهورية، والفشل في تحريك جلسات المجلس النيابي المُمدّد له. فهل ستقبل قوى «14 آذار» جرّها إلى «مؤتمر تأسيسي» في هذا التوقيت؟

كلّ المعلومات المُستقاة من داخل قوى «14 آذار» تؤكّد وجود خشية كبيرة من أنّ يتخذ العماد ميشال عون، من مسألة الفشل المُنتظر في تعيين قادة أمنيّين خلفاً للقادة المُؤجّلة مواعيد تسريحهم، بسبب صعوبة الإتفاق على مُرشّح واحد بين مُختلف القوى السياسيّة، حجّة لتصعيد كبير بدعم من «حزب الله» ومختلف قوى «8 آذار» لشلّ الوضع الحكومي، لتُصبح عندها عجلة الدولة مُتوقّفة كلّياً عن الدوران. والخشية كبيرة لدى قوى «14 آذار»، من أنّ يكون العماد عون يُحضّر لسيناريو فرض الأسماء التي يريدها في المناصب الأمنيّة الحسّاسة، وفي حال جُوبه بالرفض، سيلجأ إلى التصعيد لجرّ الجميع إلى طاولة «مؤتمر تأسيسي» سبق له أن طالب به منذ زمن، شأنه شأن «حزب الله»، خاصة وأنّ تحرّكه الأخير تجاه القيادات المسيحيّة يهدف إلى أن يكون بمثابة الفرصة الأخيرة قبل التصعيد.

وبحسب مصادر في قوى «14 آذار» إنّ المؤتمر التأسيسي في هذا التوقيت بالتحديد، وفي ظلّ التواريخ الضاغطة على غير صعيد مرفوض تماماً. وهو يُمثّل خطوة مُتهوّرة وغير محسوبة النتائج، والهدف منها الإيقاع بين «تيّار المُستقبل» والقوى المسيحيّة الحزبيّة والمُستقلة داخل «14 آذار». وذكّرت هذه المصادر بأنّ «إتفاق الطائف» الذي سَحب الكثير من سلطات رئيس الجمهورية ووضعها في يد مجلس الوزراء مُجتمعاً، جاء بعد 15 سنة من الحرب الدمويّة، ونتيجة خلل في موازين القوى لم يكن في صالح المسيحيّين في السنوات الأخيرة للحرب.

وأضافت أنّ ما يُروّج عن إستعادة حقوق المسيحيّين لا يتجاوز مسألة ذرّ الرماد في العيون، وهو لا يعدو كونه محاولة لمُطالبة الطرف السنّي بإعادة صلاحيّات مُنحت لصالح مجلس الوزراء ورئيسه، علماً أنّ الأغلبيّة الساحقة من الشخصيّات السياسيّة السنّية على إختلاف تموضعها السياسي، أي من قوى 8 و14 آذار ومن المُستقلّين أيضاً، كانت أعلنت في غير مناسبة رفضها التنازل عن أيّ سلطات منحها لها الدُستور الجديد للبنان. وتابعت مصادر قوى «14 آذار» بالتشديد على أنّه إنطلاقاً من هذه المواقف المعلومة سلفاً، فإنّ الدعوة إلى إستعادة حقوق رئيس الجمهورية على حساب تراجع حقوق رئيس الوزراء، تهدف إلى دفع «تيّار المُستقبل» إلى رفض هذا الأمر، لإظهاره بموقع الجهة التي تسطو على حقوق الموارنة، ولإحراج كل الفرقاء السياسيّين المسيحيّين المُنضوين ضمن تجمّع قوى «14 آذار»، لجهة إظهارهم بموقع المُفرّط بالحقوق والعاجز عن إستردادها.

وبالنسبة إلى الكلام العالي السقف لوزير الخارجية والمُغتربين جبران باسيل منذ بضعة أيّام، والذي قال فيه «إذا كان ممنوعاً أن يجمع فريق أو شخص بين رئاسة الجمهورية وقيادة الجيش، فإنّه ممنوع أيضاً أن يجمع فريق أو شخص بين رئاسة مجلس النواب وقيادة الأمن العام، وممنوع أيضاً أن يجمع فريق أو شخص بين رئاسة الحكومة وقيادة قوى الأمن الداخلي»، رأت المصادر المسيحيّة في قوى «14 آذار» أنّه كلام للمزايدة المسيحيّة لا يُوصل إلى أي مكان. وأضافت إنّ كلام الوزير باسيل صحيح ومنطقي بالمُطلق، وهو في صالح المسيحيّين من الناحية الدينيّة والمذهبيّة الضيّقة، لكن إذا تمّ إيصال العماد ميشال عون إلى سدّة الرئاسة وأحد المُقرّبين منه إلى قيادة الجيش، كما يرغب الوزير باسيل وفريقه السياسي، في مقابل وصول رئيس للوزراء من «تيّار المُستقبل» وقائد لقوى الأمن الداخلي قريب منه، وبقاء الوضع كما هو عليه بالنسبة إلى رئاسة المجلس النيابي وقيادة الأمن العام، فهذا يعني من الناحية السياسيّة سيطرة قوى «8 آذار» على أربعة مناصب رئيسة في الدولة من أصل ستة، وسيطرة قوى «14 آذار» على منصبين فقط، وهذا ما لا يُمكن القبول به أو الموافقة عليه بأيّ شكل من الأشكال.

وأضافت مصادر قوى «14 آذار» إنّ نظرتها إلى العامل السياسي العريض تتقدّم حالياً على الإعتبارات الدينيّة والمذهبيّة الضيّقة، حيث أنّ الدعم سيكون لأي شخصية تحمل مبادئ «14 آذار» بغض النظر عن طائفتها ومذهبها، ومن المنطلق نفسه المُعارضة ستكون لأيّ شخصيّة لا تحمل هذه المبادئ حتى لو كانت مسيحيّة ومارونية أصوليّة!

وفي السياق عينه، حذّرت مصادر مسيحيّة ضمن فريق «14 آذار» من خطورة جرّ البلاد إلى خطوات تصعيديّة غير محسوبة بحجّة تحصيل حقوق المسيحيّين، لأنّ بحث تفاصيل إستعادة حقوق المسيحيّين ـ أكان تحت ستار «مؤتمر سياسي» أم «حوار عريض وشامل»، في ظلّ الظروف المحلّيّة والإقليميّة الراهنة، وفي ظلّ التوازنات القائمة داخلياً وإقليمياً، وفي ظلّ الإنقسام السياسي المسيحي الداخلي، والخلل الديمغرافي والتفوّق الإسلامي العددي، وإنتشار السلاح خارج أيدي المسيحيّين، لن يُسفر عن أيّ نتيجة بشكل عام، ولن يعود بالفائدة على المسيحيّين بشكل خاص، بل سيُؤدّي إلى مزيد من الخلافات والإنقسامات، وفي أفضل الأحوال سيمنح المسيحيّين وهماً بتحصيل الحقوق، كما حصل في إنتخابات المرّة الماضية يوم عُلّقت لافتات النصر لتظهر لاحقاً الحقيقة المرّة بالنسبة إلى عدد النوّاب المُنتخبين بأصوات مسيحيّة صرف، حيث قد ينال المسيحيّون في أي «مؤتمر تأسيسي» مُقبل، بعض الحقوق من هنا وهناك، ليتبيّن في ما بعد أن ما حصل فعلياً سيكون تراجع حضورهم من مناصفة دستوريّة في الحكم غير مُطبّقة على أرض الواقع، إلى مُثالثة مفروضة قانوناً، تجعلهم أقليّة غير قادرة على التأثير!