قدم الرئيس السوري بشار الاسد طلبه للتدخل العسكري الروسي، امسك الرئيس الروسي الطلب وسارع صباحا الى وضعه امام مجلس الدوما، لحظات ويخرج الطلب مُصَدَّقا عليه، ليبدأ الهجوم في اول ساعة من ظهيرة اليوم نفسه، فتتحرك اسراب «السوخوي» نحو اجواء حمص ودرعا وادلب واللاذقية، وليقدم بوتين نفسه للعالم على انه المخلّص من قوى الارهاب، بعد ان اعطى وفرا في الفرص للتحالف الاميركي ـ الاوروبي بفعل شيء في ساحتي الارهاب في سوريا والعراق.
ما جرى من اقتحام روسي للشرق الاوسط من البوابة السورية، تعتبر اوساط سياسية مقربة من قوى الثامن من آذار، استوقف الجهات الدولية والاقليمية التي سارعت الى قراءة خلفيات القرار الروسي الاستراتيجي، وفي الوقت نفسه، راح قادة الدول التي انخرطت في تحالف اثبت عقمه في محاربة «داعش»، يمتصون الصدمة التي احدثها تحرك الاساطيل الروسية نحو الشواطىء السورية، وسط ضبابية وارباك في المواقف التي صيغت لتراعي مصالحها، ولتكون غير صدامية مع الروس، كي لا يُظهروا انهم المدافعون عن القوى الارهابية في سوريا… لكنهم اطلقوا حملة تشكيك باتجاه روسيا، ومع اول غارة نفذت ضد مواقع «داعش» في حمص.
ولكن ماذا عن التداعيات والتأثيرات التي يمكن ان يحملها الهجوم العسكري الروسي على الارهاب في سوريا؟، تجيب الاوساط نفسها، آخر ما كان يتوقعه منظّرو قوى الرابع عشر من آذار، ان يكون الوجود العسكري الروسي المعزّز في الداخل السوري، في مصلحة «حزب الله» الذي يؤخذ عليه تدخله في القتال داخل سوريا لدعم نظام الرئيس بشار الاسد، لكن «المخاطر» التي ستشعر بها هذه القوى، التأثيرات والتداعيات السياسية والعسكرية التي سيفرضها الهجوم العسكري الروسي على التنظيمات الارهابية التي تقاتل في سوريا، والمدعومة من شبكة من العلاقات القائمة بين دول عربية واقليمية ودولية، فيما هي غارقة في مراهنات خاسرة، لم تُثمر سوى المزيد من الخيبات.
ولا تستبعد الاوساط ان تكتشف قوى الرابع عشر من آذار، ان المشهد العسكري الجديد في سوريا، والذي تحتل موسكو المساحة الارحب فيه، في ظل انكفاء اميركي واستقالة لدول اقليمية قدمت نفسها رأس حربة لاسقاط النظام السوري، ان من شأن الدور العسكري الروسي الذي سيضمن تعزيز حماية النظام في سوريا وامتداد النفوذ الروسي الى ما بعد سوريا، طالما ان الحسابات والقواعد الجارية في المنطقة، تقوم وفق مصالح هذه القوى وتلك الدولة.
فهل انتقلت حسابات قوى الرابع عشر من آذار، من «اولويتها» في اسقاط نظام الرئيس بشار الاسد!، الى الحفاظ على وجودها المستمد من النفوذ الدولي والعربي البعيد عن موسكو وطهران و«حزب الله»؟ سؤال راود الكثير من المتابعين لمجريات ما يجري على جبهة سوريا والارهاب، وترى الاوساط، ان المنطقة التي تشتعل فيها الحرب الروسية على قوى الارهاب، مقبلة على متغيرات جوهرية في تركيبة المنظومة التي تتحكم بمفاتيح المنطقة، وبالتالي، فان التطورات الميدانية العسكرية التي ستحدثها الهجمة الروسية على الارهاب الذي اقيمت من اجله تحالفات دولية واقليمية لمحاربته، ستفرض واقعا جديدا يرسم الكثير من معالم الخارطة الجديدة، وسترسم اللوحة الحقيقية لنفوذ الدول، وتقول: لطالما القوى السياسية اللبنانية تدرك جيدا، ان من يملك النفوذ السياسي والعسكري في سوريا، قادر على الامتداد الى الساحات المتاخمة للساحة السورية، في زمن رسم التوازنات الاقليمية والدولية، ولبنان الذي يوصف دائما بـ«الخاصرة الرخوة» لسوريا، يملك القابلية في التقاط التأثيرات والتداعيات التي ستتركها الحرب الروسية على الارهاب في الداخل السوري. وتلفت الاوساط، الى انه نظريا، يمكن القول ان لبنان، ما زال متأثرا بالنفوذ الاميركي والفرنسي والسعودي، لكن الارض في تغير دائم، والسياسات في تقلب مستمر، فيما الحسابات والقراءات ستتبدل وفق كل هذه المعطيات والمتغيرات الجارية في المنطقة.
المفارقة، تقول الاوساط، ان هناك من يرى في لبنان، ان التدخل الروسي في سوريا، سيزعج النفوذ الايراني وسيُكبل حركة «حزب الله»، سيما على الجبهة مع الاحتلال الاسرائيلي في جنوب لبنان وفي الجولان السوري، لكن اكثر ما يثير الاستغراب، محاولة البعض في ان يضع «حزب الله» في مأزق كبير، جراء النفوذ الروسي المتعاظم في سوريا، وقد رددت مرجعية حزبية رفيعة محسوبة على «خط الوسط» ان الروس سيغرقون في سوريا وسيغرق معه حلفاؤها ايران و«حزب الله»(!)، وهو كلام يُذكّر بما قيل في الايام الاولى للتدخل العسكري لـ «حزب الله» في معارك القصير قبل اكثر من سنتين.. لكن الخيبة كانت من خلال الانجازات العسكرية التي حققها «حزب الله» على جبهة القصير وعلى جبهات عسكرية اخرى تلتها، في القلمون واللاذقية، فيما العالم يسلم لموسكو جديتها في السياسات الاستراتيجية في معالجة ملفات المنطقة، منطلقة من قدرتها على صناعة معادلة تقوم على ان «لا حل للازمة في سوريا من دون الاسد.. ولا محاربة لقوى الارهاب من دونه».
وتشير الاوساط الى القول: لم يسبق لاي طرف من اطراف قوى الرابع عشر من آذار، ان وصف استحضار «جيوش» التنظيمات الارهابية، من «داعش» و«النصرة» بـ «العدوان» كما يُصوّر اليوم التدخل العسكري الروسي، كما لم يسبق لهؤلاء ان اطلقوا على غارات «رفع العتب» التي نفذها التحالف الغربي ـ الاميركي على مواقع قيل انه لـ «داعش»، صفة «العدوان»، وقد استقبل التوغل التركي على الحدود الشمالية لسوريا بحفاوة سياسية من تلك القوى، وتضيف.. ما يُربك قوى الرابع عشر من آذار ان الحضور العسكري الروسي في سوريا اعاد خلط الاوراق.. ويخطط لرسم جديد لخارطة المنطقة، معاكسة لتلك التي وضعت في غرف عمليات مشتركة بين دول متورطة بدعم الارهاب لاسقاط النظام في سوريا، وبين تنظيمات ارهابية يمثلها تنظيم «داعش» وتوابعه.
وتخلص الاوساط بالتأكيد على ما يجري في سوريا بعد التدخل العسكري الروسي، لن يروق الادارة الاميركية التي اثبتت عجزا استراتيجيا معالمه باتت واضحة، ولا للاوروبيين الذين اصيبوا بالتعثر والارباك، ولا للجهات العربية والاقليمية التي اعدت الاجندة الخاصة بسوريا لمرحلة ما بعد الاسد، لتستفيق على واقع مزعج، يمسك بمفاتيحه القيصر الروسي، المتحالف مع «المشروع الفارسي» والمتناغم مع شريكه العسكري في الميدان الذي يمثله «حزب الله».
تدرك قوى الرابع عشر من آذار، ان معسكرها الدولي والاقليمي عجز عن اسقاط الاسد ونظامه، وعجز ايضا عن تقديم معارضة سورية بعيدا عن الارهاب، وفي الوقت نفسه لم تجد من المعسكر ما يقدم لتحريك الملفات السياسية في الداخل اللبناني، وفي مقدمها ملف رئاسة الجمهورية، في المقابل، فان هذه القوى تدرك مدى جدية التحالف الذي يجمع روسيا وايران ومعهما «حزب الله»، وقدرة امكاناته في حماية نظام الرئيس الاسد.. لكن ما تهابه، ان يمتد النفوذ الروسي المتوهج في سوريا الى لبنان، والطامة الكبرى.. ان لا تجد من «يُنصرها» على اعدائها.