ثلاثة عشر عاماً كانت كافية ليصل اللبنانيون إلى خلاصة واضحة هي أنّه لا يوجد بين فرقاء 14 آذار من يحمل مشروعاً سياسياً لبنانياً واضحاً سوى حزب القوات اللبنانيّة، نعم يوجد «حملة شعارات»، و»كلام كبير» لإغراء اللبنانيين، لكنّ الترجمة الفعليّة لكلّ تلك الشعارات هي أنّها «بيع الحكي» أو أنّ «حكي ما عليه جمرك»، ورضي الله عن الإمام عليّ وكرّم وجهه حين قال «لولا أن الكلام يُعاد لنَفِد».
ثلاثة عشر عاماً على ذاك اليوم العظيم 14 آذار قادت إلى خلاصة أنّ القوات اللبنانيّة هي الوحيدة مع رئيس حزبها الدكتور سمير جعجع خرجتا من الدمار الشامل الذي لحق بفريق 14 آذار، والذي راكم ثقة واحترام اللبنانيين لهما، وربما هذا وحده ما زال يبعث على الأمل ويترك طمأنينة ما لدى الكثير من اللبنانيين بأنّ «القوات هنا»، أما 14 آذار كفريق سياسي فماتت وشبعت موتاً، لأنّ الفرقاء فيها لم يكن لهم همّ سوى المكاسب السياسيّة، التي كلّفت الكثير من التنازلات، التي تركت مليون ونصف لبناني ينفضّون عنهم بعدما نزل جمهور حمل اسم ذاك التاريخ يحملون بأيديهم وردة فقط أسقطوا بها يومها تهديدات حزب الله وامينه العام في 8 آذار وأخرجت جيش الاحتلال السوري من لبنان يومها..
كثيرون يزعجهم الحديث عن موت 14 آذار ـ كفريق سياسي ـ ولكن، من حقّ من صدّق ذاك اليوم المجيد وناضل بكلمته عنه وعن فريقه السياسي أن يقول كلمة صدق، الزمن لا يعود إلى الوراء، والتاريخ أيضاً لا يعود إلى الوراء، أساساً المنطقة برمّتها تدفع ثمن أخطاء لا ذنب لها بها، أخطاء كلّفتنا خمسة عشر عاماً من الحرب، وخمسة عشر عاماً من تكريس الاحتلال السوري، واثنا عشر عاماً من احتلال إيراني ناعم أو خشن لا فرق، ما يقارب نصف قرن من حياة لبنان تحمّل فيها أوزار سياسات خاطئة ورمي الأعباء على كتفيْ هذا الوطن الصغير، في وقت تغاضى فيه العالم عن التفريط بأرواح أبنائنا من أجل راحة سوانا!
بعد ثلاثة عشر عاماً على ذلك اليوم العظيم ، نستطيع أن نقول بأمانة، لقد تأخر الوقت كثيراً، لم يعد يوجد مواطنٌ لبناني واحد اليوم من الذين كانوا في ساحة الحرية ـ كما كان اسمها ـ على استعداد للنزول مجدداً إلى الشارع ليواجه باللحم الحيّ مشروع إيران في لبنان، على الأقل اليوم لا نظنّ أن الشعب اللبناني على استعداد للذهاب «فرق عملة» لسياسة المحاور، هذه السياسة باتت واضحة وضوح الشمس، كنّا من أوائل الذين حذروا من الإطباق الإيراني على لبنان، عملياً لم يجدِ إلا حلٌّ دوليّ للمعضلة السرطانيّة الإيرانيّة، يستطيع لبنان فقط أن يستمرّ في الصمود ولا يطلب أحد من شعبه أكثر من هذا، وعلى الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها أن يتوجهوا إلى مجلس الأمن الدولي لحلّ مشكلة حزب الله الإقليمي ورأس الأفعى إيران، وكلّ الخوف على لبنان من أنّه وحده سيترتّب عليه أن يدفع أغلى الأثمان للخلاص من «الفرعون» الإيراني الذي يهدد المنطقة!
بعد ثلاثة عشر عاماً على ذلك اليوم العظيم، رحم الله كوكبة شهداء لبنان الذين كنّا كلّما سقط واحد منهم نقول أنّه سقط على طريق إقرار المحكمة الدوليّة لوضع حد للاغتيال السياسي في لبنان، وما أشدّ حسرتنا عليهم، وما أشدّ إحساس اللبنانيين بأنّ دماءهم ذهبت سُدىً، من المؤسف أن تكون نهاية فرقاء 14 آذار على هذا الشكل، حقيقة مؤسفة ولكن لا بدّ من الاعتراف بها على مرارتها، ولكن بالرغم من كلّ الحسرات والمرارات وبالرغم من اضطرارنا إلى الاعتراف بهذه الحقيقة، تبقى الحقيقة الثابتة أيضاً، أنّ لبنان بلد المستحيل، البلد الذي لا يموت، وأن شعبه بالرّغم من كلّ الخيبات قادرٌ في لحظة ما على تكرار مشهد ذلك اليوم العظيم.