لا تزال مفاتيح الامانة العامة لقوى 14 آذار بين ايدي امينها العام «السابق» النائب السابق فارس سعيد، لكن لا بلا امانة عامة مذ التقى الحلفاء على دفن جثة تناوبوا على تسميمها حتى الموت، قبل ان يتركوها في العراء وقتا طويلا
لم يعد احد بين الحلفاء الاربعة الباقين في قوى 14 آذار، تيار المستقبل وحزبي الكتائب والقوات اللبنانية والنواب المستقلين، يتحدث عن هذا التنظيم بانقضاء 11 سنة على اعلانه، وهو يوشك على دخول السنة 12 بعد ثلاثة اشهر كذكرى. كذلك حال اقتراب 14 شباط 2017 لن يعدو كونه مناسبة شخصية لتيار المستقبل ورئيس الحكومة سعد الحريري يشاركه اياها حلفاؤه السابقون في قوى 14 آذار على نحو هذا المغزى.
اتى انتخاب الرئيس ميشال عون وتأليف حكومة الحريري كي يضعا حجراً كبيراً على مكان دفن داخله الحلفاء الجثة.
في مراجعة لما آلت اليه قوى 14 آذار، يلاحظ امينها العام «السابق» النائب فارس سعيد ان ما اضحت عليه الآن هو ما قاومت حينذاك، عام 2005، الوصول اليه: ليس ان لا تكتفي بأن لا تشبه حزب الله، بل ان تجعله هو يشبهها. اليوم، يبصرها وصديقه النائب السابق سمير فرنجيه ــــ وكانا ولاّدة مبادراتها وافكارها ومسوداتها وجسر عبور الائتلاف العريض تدريجاً من «لقاء قرنة شهوان» الى «اجتماعات البريستول» الى ظاهرة «ساحة الحرية» في ساحة الشهداء ــــ في صورة مؤلمة: «عندما بدأنا الانتفاضة كان امامنا خصمان. خارجي هو نظام (الرئيس) بشار الاسد، وداخلي هو حزب الله. كان من المتعذر مواجهة الاثنين في آن. اخترنا ارغام الجيش السوري على المغادرة انسجاماً مع مناخين اقليمي ودولي مؤاتيين، وهادنّا حزب الله بل طمأناه. كان الاهم بالنسبة الينا اجراء الانتخابات النيابية في موعدها، بما يسمح بانتقال الاكثرية النيابية من فريق جماعة السوريين الى فريقنا، فربحنا نحن الغالبية النيابية. وصولاً الى هذا الهدف، زار سمير فرنجيه وسمير عبدالملك الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، بينما احجمت انا، لتكريس فكرتي وسمير فرنجيه في التحالف الرباعي. كان ينقص هذه الفكرة اقتناع وليد جنبلاط بها، فاقتنع بعدما تأكد انه سيربح نواب دائرتي بعبدا ـــ عاليه والشوف في قانون انتخاب 2000. في حصيلة ما فعله ائتلاف 14 آذار الذي انضم اليه متأخراً سعد الحريري منذ منتصف نيسان 2005، حينما استقر اتفاق العائلة على خلافته والده، واصبح في عدادنا مع الفريق المسيحي ووليد جنبلاط. كان سمير جعجع لا يزال في السجن، وبالكاد عاد العماد ميشال عون الى بيروت في ايار. فاذا انتخابات حزيران 2005 على قاعدة التحالف الرباعي الذي بشّرنا تفضي الى سلة حرزانة من المكاسب، بل الانتصارات تلاحقت على طريقة تدحرج حجارة الدومينو:
1 ــــ ترؤس الرئيس فؤاد السنيورة حكومة الغالبية النيابية، رغم وجود الفريق الآخر الذي لم يعطل انسحابه منها في ما بعد دورها، ولا الثقتين الاقليمية والدولية بها وتقدير ما فعلت.
2 ــــ اجبرنا حزب الله على المشاركة في الحكومة التي كان يتعالى عليها ابان الوجود السوري في لبنان، ويعوّل على السوريين لحماية دوره. كانت المرة الاولى يوزّر بوزير واكثر من صفوفه لا بقريب منه، كما في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي.
3 ــــ اخراج سمير جعجع من السجن بقانون عفو عام وليس بمرسوم عفو خاص استند اولاً الى عريضة وطنية.
4 ــــ اتينا بالمحكمة الدولية في اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وفرضنا العلاقات الديبلوماسية مع سوريا وترسيم الحدود بين البلدين بعدما كان محظوراً الخوض فيها. في ما بعد صارت العلاقات الديبلوماسية التي خلفت العلاقات المميزة حقيقة واقعة لم يعد في الامكان تجاهلها».
تحقق ذلك في ما مضى. فكيف انهارت قوى 14 آذار وتفتتت؟
«نحن الآن في تحالف رباعي آخر. الاول ذهبنا اليه بقوتنا، وهذا الحالي الذي اوجد التسوية الاخيرة بانتخاب الرئيس وتأليف الحكومة ذهبنا اليه مهزومين. في التحالف الرباعي الاول ذهبنا الى حزب الله الضعيف بعد خروج سوريا من لبنان وعبء سلاحه عليه في ظل القرار 1559 وعملنا على تطمينه، بينما ذهبنا في التحالف الرباعي الحالي الى حزب الله ضعفاء كونه يتصرف على انه انتصر في سوريا ولم يعد احد يسأله عن قتاله في سوريا ولا عن سلاحه في لبنان. لم يعد احد يتحدث عنه ويطالب بسلاح الدولة فقط. انها الطريقة المثلى كي نشبهه نحن عوض ان يشبهنا. توفيت 14 آذار في 7 ايار 2008، ولحقت بها الامانة العامة يوم ترشيح الرئيس الحريري النائب سليمان فرنجيه عام 2014. ماتت قوى 14 آذار بعد آخر انتصار احرزته هو انتخابات 2009 ومحافظتها على الاكثرية النيابية، قبل ان تتسارع محطات الانهيار واولها خروج وليد جنبلاط منها في 2 آب 2009. ثم اتت مع حكومة الرئيس الحريري معادلة س.س بين السعودية وسوريا، وذهابه الى سوريا التي لم نبلعها ولا بلعها سمير جعجع، وعملنا على تبليعه اياها كما بلعناها لانفسنا لامرار المرحلة، ثم مشينا كلنا في هذا الانقلاب على الذات بعدما قال الرئيس الحريري ان الموت وحده يفرّقه عنا. مشي سمير جعجع في المشروع الارثوذكسي، سقطت الثورة السورية ــــ وكنا راهنّا عليها وتوقعنا نجاحها وسقوط النظام ــــ في الاسلمة. تبعاً لذلك ذهب جعجع والحريري الى ما رفضاه، غير القابل للمناقشة والمساومة، هو تأييد مرشح في قوى 8 آذار لرئاسة الجمهورية. بذلك انتهى المطاف بقوى 14 آذار الى ان يذهب كل راع الى قطيعه، وكل حزب الى طائفته. انهار فريقنا بينما حزب الله لا يزال موجوداً، وهو سيقودنا من انتخابات الرئاسة وتأليف الحكومة الى الانتخابات النيابية وفق القانون الذي يريده».
آخر 14 شباط، السنة الماضية، بعد ثلاثة اشهر على ترشيح الحريري فرنجيه في باريس في 19 تشرين الثاني 2014، وشهر على اجتماع معراب بين الرئيس ميشال عون وجعجع الذي اعلن فيه ترشيحه اياه لرئاسة الجمهورية في 18 كانون الثاني 2015، سُجّل اول اشتباك بين الحليفين اللذين لا يفرّق بينهما سوى الموت، الحريري وجعجع، حينما قال الاول للثاني: اللي عملتو يا حكيم كان لازم تعملو من زمان. كان يرد بذلك على مصالحة معراب. بعدئذ صار عون مرشح الحريري بعد جعجع.
اليوم الجميع تقريباً، باستثناء حزب الكتائب بعد استبعاده، الى طاولة مجلس الوزراء. لكن ليس فيها احد بالتأكيد في قوى 14 آذار.