منذ الآن يمكن القول إنّ جلسة 2 آذار لانتخاب الرئيس قد سَقطت عملياً، مع امتناع المرشحين العماد ميشال عون والنائب سليمان فرنجية عن النزول إلى مجلس النواب، ومع امتناع الرئيس سعد الحريري والدكتور سمير جعجع عن التلويح بأيّ سقف زمني لهذين الترشيحَين، أو بإمكان وضع خيار سحبِ دعمهما عن الطاولة.
فالحريري على ما بات يُنقل عنه مصمّم على الاستمرار في دعم فرنجية حتى النهاية، في ظلّ انعدام أيّ أفق لانتخابه، أو انعدام أيّ فرصة لخيار آخر، في اعتبار أنّ أيّ نقلة غير محسوبة لا بدّ مِن أن تعزّز رصيد عون الذي سيبقى وحيداً في الساحة، مع العِلم بأنّ فرَص عون السعودية باتَت تحت الصفر، بعد مواقف وزير الخارجية جبران باسيل، التي سبّبت موجة استياء سعودية لن تنتهي في القريب العاجل.
تمرّ محاولة انتخاب فرنجية في حالة موت سريري، بعد أن أجهضَها حزب الله، رامياً الكرةَ في ملعب الحريري، الذي يَندفع إلى الأمام، ذلك مع عِلمه المسبَق بأنّ انتخاب فرنجية أصبح خياراً صعباً، ليس فقط لكون ما ينطبق عليه ينطبق على عون سعودياً، بل لتعذّرِ تغيير موقف حزب الله الذي يَهزأ وبعض حلفائه من محاولات ترتيب النصاب التي يقوم بها تيار «المستقبل»، فهذا النصاب بيَد الحزب مهما تفاءَلت «البوانتاجات»، لأنّ انعقاد الجلسة رهنٌ بموافقة حزب الله، وهو يتعدّى مبدأ البوانتاج إلى مبدأ الحسم في من يملك قرار اختيار الرئيس.
من ناحيته يستمرّ جعجع في قطف الإيجابيات المسيحية لترشيح عون، وهو باتَ يقطن في خانة الانتظار، حتى جَلاء الصورة الحقيقية في المنطقة، التي يدلّ التصعيد السعودي فيها على أنّ هناك مواجهة طويلة مع إيران، لن تنتهي بأشهر وسنوات.
ويبدو التراجع عن دعم جعجع لعون خياراً احتمالاته أقرب إلى الصفر، فالترشيح اقترنَ بالمصالحة، والعودة إلى الوراء باتت صعبة جداً، وحتى ولو سَحب الحريري دعمَه لترشيح فرنجية فإنّ جعجع غير قادر أو راغب بسحب دعمِه لعون، وفقَ قاعدة أنّ ما تمّ قد تمّ، وأنّ على الحريري إذا تراجع عن دعم فرنجية أن يدعم عون لكي يُنتخب رئيساً مدعوماً بأكبر إجماع.
هذه العلاقة المتوتّرة بين الحريري وجعجع، وما بينهما من فقدان للثقة، ستجعل من الصعب على أيّ مبادرة داخل 14 آذار، أن تنطلق لترميم العلاقة بين الرَجلين والتي هي أساس في ترتيب مواجهة حزب الله، وخوض معركة الحفاظ على الشرعية، التي يفترض أن توضَع في أعلى سلّم الأولويات، بعدما تسبّب الاهتزاز داخل الحكومة في إيصال العلاقة مع السعودية إلى مستوى الحضيض.
تقول جهات في 14 آذار، إنّ خَوض معركة الدفاع عن الشرعية، في مواجهة «دولة» حزب الله، باتت مسألة حياة أو موت بالنسبة إلى قوى 14 آذار، التي تنتظرها داخل الحكومة وخارجها، استحقاقات صعبة، أبرزُها ما يتعلّق بالنزاع السعودي ـ الإيراني، الذي سيرتّب على لبنان، مسؤولية ومخاطرَ جسيمة، خصوصاً إذا ما استمرّ حزب الله في الإمساك بمفاصل الحكومة، واستعمالها في هذا النزاع.
من أين نبدأ في ترتيب البيت الداخلي لـ 14 آذار؟ سؤال تطرَحه هذه الجهات التي تعلم بأنّ إصلاح ما خلفَته المرحلة الأخيرة، خصوصاً بعد ترشيح كلّ مِن فرنجية وعون، وأثرها السلبي على هذه القوى مجتمعةً، بات أمراً صعباً ومتعذّراً.
من أين نبدأ؟ تضيف «إنّنا قد لا نعرف، لكن يجب أن نبدأ، لأنّ ما نتوقعه لبنانياً جرّاء أحداث المنطقة، قد يُفقدنا آخر أحزمة الأمان، لكنّ إشارة الانطلاق للبداية لن تكون قبل مساء 2 آذار، حيث يفترض إعادة تقويم كلّ ما جرى، كما يفترض رسم طريق جديد للتعامل مع الأخطار الآتية.