Site icon IMLebanon

“8 آذار”… مواصفاتُ رئاسات الخراب

 

ربما سُرَّ رافعو شعار “كلّن يعني كلّن” بالمؤتمر الصحافي الاستثنائي الذي “بَرَشَ” فيه سليمان فرنجية العهد وجبران باسيل. فأن تُضرب “المنظومة” الفاسدة من “بيت أبيها” أفعلُ من أن تكال لها التهم من الخارج، بالتأكيد.

 

لا جديد في كلام فرنجية، وهو شريك العهد في محور “8 آذار” وحكومة حسان دياب، سوى حجج من نوع: “لماذا نحن وليس غيرنا؟”، “لماذا الصغار فيما وزراء النفط (العونيون ما عدا فنيش) هم المرتكبون الأصليون؟”، و”لماذا تُفرض العدالة على جماعتنا ولا تطال غيرنا؟”. وكلام فرنجية تبسيطي ومنطقي إذا طبقنا حكمة “ظلم في السوية عدل في الرعية”. لكنه صار سجالاً ممجوجاً، لأن اللبنانيين، منذ عهد الياس الهراوي الذي هاجم على صفحات الصحف شريكيه في “الترويكا” الرئاسية، سئموا هذا النوع من صراعات الفريق الواحد، ويريدون للعدالة أن تبدأ من مكان ما، لعلمهم بأنها لا تستطيع ان تكون شاملة وفجائية ودفعة واحدة وسيف عدلٍ على رقاب كل الفاسدين.

 

فرنجية سياسي محترف بالمعنى “اللبناني”. فهو يشيد بالقضاء ويورد عن حق عدم توقيع وزيرة العدل “السوربونية” تشكيلات “مجلس القضاء”. لكنه يريد قضاة à la carte شرطاً ليسمح بمثول أتباعه أمامهم بصفتهم أبرياء.

 

غير ان ذروة المؤتمر الصحافي وزبدته تكمنان في قوله “لن أسلّم” المطلوبين إلا إذا… وفي ذلك منتهى التعبير عن نمط ساد منذ الاستقلال ويقضي بأن يحمي كل زعيم عشيرتَه ومناصريه لأنه معهم في “السراء والضراء”، ومَن يضربُ بسيفه فهذا السيفُ حِماه. إنه النمط العشائري الطائفي المذهبي العائلي الذي وَصَمَ تركيبة لبنان وشكَّل أساساً للكوارث وعدم قيام دولة قانون.

 

أسوأ من كلام فرنجية الممتلئ بنَفَس الخروج على الدولة سواء بـ “لن أسلّم…” أو “يريدونها حرباً فلتكن…” غير آبهِِ بقانون ولا قضاء، كان ردُّ رئاسة الجمهورية التي دعته الى “رفع الغطاء” عن المطلوبين، وكأنها بدورها غير مقتنعة بوجود الدولة وتستجدي زعيماً مناطقياً “قضاءً بالتراضي”. طبعاً… ما كان لفرنجية ان يتحدث بتلك اللهجة لولا اتكاله على “حزب الله”، وما كانت الرئاسة بدورها مهيضة الجناح في ردِّها المخزي لولا قيد “تفاهم مار مخايل”، بدل ميزان ذاك القديس.

 

لا أحد ينفي لفرنجية بداهته التي تضرب على أوتار عدة لدى الناس. فخصوم العهد من داخل “المنظومة” حاضرون للاشادة بمن يفضح “التغيير والاصلاح”، وجاهزون للاستفادة والإفادة من هذا المناخ، متجاهلين ثورة 17 تشرين ومطالبتها الواضحة بالقطع مع رموز طبقة سياسية ما عاد يفيد تكرار نماذجها لمستقبل لبنان. أما البسطاء فيرون في صراحة فرنجية تجاه العهد، أو في اعلانه الولاء الدائم لبشار الأسد و”الخط” الممانع، فروسيةً وشجاعةً تؤهلانه ليس لزعامة في زغرتا فحسب، بل لرئاسة لبنان.

 

كل هؤلاء يجهلون او يتجاهلون أنّ الزمن تغير وأنّ رئاسة لبنان تحتاج مواصفات تقطع جذرياً مع ولاء “8 آذار” الممتد فعلياً منذ تكرست الوصاية السورية على لبنان. فنتائج تلك العهود وحكوماتها ماثلة أمامنا افلاساً وفقراً وبطالة وحدوداً سائبة، فيما اللبنانيون يحلمون بغدٍ أفضل عبر تغيير شامل للمنظومة السياسية الفاسدة، فلا تتكرّر تركيبات التحالفات وصفقات المحاصصة الرئاسية والحكومية التي لم توصل البلاد الا الى الخراب.

 

لبنان بأمس الحاجة الى انتهاء “عهد الفشل” بأقل الأضرار. وما يلزم رئاسة لبنان، هو عكس المواصفات التي نضح بها كلام فرنجية، بالتمام والكمال.