ائتلاف «٨ آذار» والتيار الوطني الحر صامد، لكنه لا يفعل سوى مراكمة الفشل. بعد تجربتين، ثبت أنه غير قادر على الحكم وحده. الخلافات داخله تفوق الخلافات مع الخصوم. ليس هنالك ملف متفق عليه، ولا سيما بين الرئيسين ميشال عون ونبيه بري. الخلاف تأسيسي بينهما، وهذا يزيد العبء على ضابط الإيقاع، أي حزب الله، الذي يعمل إطفائياً أحياناً ويسلّم بالواقع حيناً، لكنه في كل الأحيان يبقى ملوماً من حلفائه على تقصيره معهم
مرة جديدة ينتهي ائتلاف «٨ آذار» والتيار الوطني الحر إلى الفشل. حكومته الثانية كانت أسوأ المشاريع المنتجة من هذا الائتلاف. لكن هذا الفشل ليس غريباً. أسبابه موضوعية، وتتعلق أولاً بالعلاقة التي «لم تركَب» يوماً بين العونيين وحركة أمل. «أمل» تثق بالحلفاء التقليديين. سعد الحريري ووليد جنبلاط وسليمان فرنجية تحديداً. العلاقة مع حزب الله مختلفة. تحالفهما هو تحالف المصير المشترك. لكن هذا لا ينطبق على العلاقة مع ميشال عون. هو كان ولا يزال حليف الحليف الذي يلتقي معه نبيه بري على حماية المقاومة، ويختلف معه على كل ما عدا ذلك. التوافق بينهما ليس أكثر من هدنة بين معارك. عندما دخل عون إلى السلطة بشعاراته الرنّانة ووزنه النيابي الكبير، أقلق القيادات التقليدية. ازداد القلق عندما فرض نفسه لاحقاً شريكاً مضارباً لهذه القيادات، وبمفعول رجعي. وكانت الذروة في العام ٢٠١٦، مع وصول عون إلى الرئاسة بمباركة من أحد أضلع الترويكا التقليدية. لم يستسغ بري وجنبلاط خطوة الحريري. جنبلاط لم يترك مناسبة إلا وعبّر فيها عن رأيه. لكن بالنسبة إلى بري الأمر مختلف. عون هو حليف الأمر الواقع، الذي لا ينبغي قطع حبل الود معه، لكنه في الوقت نفسه خصم لا يمكن التعايش مع طموحاته وطموحات صهره. مصدر في «٨ آذار» يقول إن بري كان يعتبر أن كل الشعارات العونية تتناوله. وفي المقابل، كان العونيون يعتبرون أن بري هو الذي يحرمهم تحقيق أي إنجاز. بري يعرفونه ولا يتوقعون منه أمراً آخر. لكن الأمر مختلف بالنسبة إلى حزب الله. يكررون أن حزب الله يتحمّل مسؤولية فشل مشروعهم الاصلاحي المرتبط أولاً بمكافحة الفساد، لأنه لم يكن حازماً. جبران باسيل أعاد في كلمته نهاية الأسبوع الفائت تحميل الحزب المسؤولية. أبدى استعداده لتحمّل ثمن منع المس بوحدة لبنان ورفض المشاركة في الحصار الخارجي والداخلي على الحزب، لكنه طالبه، في المقابل، بالوقوف معه في عملية بناء الدولة. وصل إلى تحذير الحزب من الفراق معه داخلياً «إذا لم يتحمّل في المرحلة المقبلة المسؤولية معنا وتتمّ فيها كل الإصلاحات اللازمة عبر الحكومة والمجلس النيابي». بالنسبة إلى باسيل، انتهت فترة أنصاف الحلول. هو صار على المركب نفسه مع حزب الله. كلاهما يتعرضان لـ«حرب كونية»، وكلاهما عليهما مواجهتها معاً، والمواجهة تبدأ من الداخل.
تأليف حكومة من قبل ٨ آذار وحلفائها، لم يكن يوماً أفضل من تأليفها مع الخصوم. حكومة نجيب ميقاتي لم تسر كثيراً على درب التوافق، حتى في داخلها. والأمر نفسه حصل مع حكومة حسان دياب. مستوى الصراعات المصلحية والسياسية لم ينخفض عن مستواه مع الحكومات التي قادها الحريري أو من يمثّله. الاتفاق مع الحريري كان دائماً أسهل من الاتفاق مع عون في حكومات اللون الواحد. البعض يرى العلاقة متضادة بين «التيار» و«أمل»: أي فشل لهذا سيكون نجاحاً لذاك وبالعكس. «تلك معادلة كانت تداعياتها كارثية على البلد»، يقول المصدر. على الأقل منذ العام ٢٠١٠، أمكن تلمّس الشلل الذي أصاب أي مشروع يُعرض على مجلس الوزراء ولا يحظى بموافقة الطرفين. مشاريع الكهرباء نموذجاً. العونيون يعتبرون أن الرئيس نبيه بري كان خلف إفشال خطة الكهرباء. هو طيّر، بالنسبة إليهم، معمل دير عمار ٢، عبر إصرار وزارة المالية على رفض دفع الخمسين مليون دولار (الضريبة على القيمة المضافة) التي كانت جزءاً من العقد. بسبب خمسين مليون دولار، وبصرف النظر عن المسؤول، طار معمل دير عمار وطارت معه إمكانية زيادة التغذية بالتيار إلى أجل بعيد.
الخلاف تجدّد مع إطلاق مشروع مقدّمي خدمات الكهرباء. عُرقل المشروع لأربع سنوات، بسبب عدم حصول بري على حصّته في المشروع (بعد انسحاب إحدى الشركات المحسوبة على الحركة). ولم يعد إلى سكة العمل إلا بعد أن فصل الجنوب عن جبل لبنان، وتولّت شركة سمّاها بري العمل هناك. هذا لا يعني أن الشركة لم تنجح في عملها، على ما يؤكد عاملون في القطاع، لكن النقاش يتعلّق بفرض وجودها، بتركيبة تعاقدية غريبة عن القانون.
محطة الغاز في دير عمار طارت بسبب الخلاف بين الطرفين أيضاً. مئات ملايين الدولارات كان يمكن توفيرها منذ العام ٢٠١٥ (التاريخ المفترض لإنجاز المحطة)، لكن الشركة الفائزة بالمناقصة اعتُبرت حينها غير كفوءة، فأسقط العقد بضربة مزدوجة، أسفرت لاحقاً عن محاصصة فاقعة. بدلاً من محطة صارت ثلاث. أضيفت إلى دير عمار واحدة في الزهراني طالب بها وزراء الحركة وأخرى في سلعاتا طالب بها وزراء التيار.
كثيرة هي العراقيل التي واجهت الائتلاف. لكنه صمد وسيصمد بفضل الناظم الأول له، أي «حزب الله». الحزب كان المُحرج دائماً من هذا الصراع. يسعى إلى التوفيق بين حليفيه قدر الإمكان، لكنه عندما يفشل تكون النتيجة مساندته لبري، من دون أن يكسر عون. ذلك لم يفاجئ الأخير يوماً، هو الذي أُبلغ أن وحدة الطائفة خط أحمر بالنسبة إلى حزب الله. للمناسبة، المرة الوحيدة التي كسر فيها الحزب هذا القرار، كانت عند مناقشة مسألة التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان. أبلغ بري بشكل واضح أنه يؤيد عون في هذه المسألة. وإذ أحرج من طرح اسم «كرول» لارتباطها بإسرائيل، فعارض توقيع عقد معها، إلا أن خياره كان البحث عن بديل لها، لا إلغاء فكرة التدقيق الجنائي. وبالفعل، دفع باتجاه إقرار التعاقد مع شركة أخرى، لكنّ وزيريه عمدا إلى التصويت بورقة بيضاء.
من يعود إلى انتخابات العام ٢٠٠٩، يدرك أن التحالف بين أمل والتيار كان من أعقد القضايا التي وجب على الحزب حلها. لحل الخلاف على مقاعد جزين، على سبيل المثال، اضطر الحزب إلى التخلي عن مقعد أمين شري في بيروت، قبل أن يعود لاحقاً ويحصل على مقعد بلال فرحات في بعبدا.
باسيل: فراق مع حزب الله إذا لم يتحمّل مسؤولية في عملية بناء الدولة
بالرغم من الخلاف المستمر بينهما، يحصل أن تتلاقى مصالحهما أحياناً كثيرة. أحدث حينٍ كان الاتفاق على ضرورة رحيل حكومة حسان دياب. صحيح أن الملاحظات على أدائه الحكومي كانت عديدة، لكن ما قسم ظهر العلاقة هو ارتجاله موقفاً وحيداً لم ينسّق مع أحد. لم يقدّر عواقب طرح الانتخابات المبكرة بالنسبة إلى عون وبري. سريعاً تولّى برّي مهمة دفعه إلى الاستقالة. وما كان واضحاً من إعلان جلسة مساءلة للحكومة الخميس، لم يفوّت ألان عون فرصة إشهاره: إذا لم تستقل الحكومة اليوم (الإثنين) فستُقال الخميس.
بهذه الخطوة، عاد بري ليكون مايسترو السياسة الداخلية. لم ينس أن حكومة الحريري الأولى في عهد عون كانت نتاج توافق رئاسي جعل دوره هامشياً. بعد استقالة حكومة دياب، عادت عين التينة محور الاتصالات الداخلية المرتبطة بالتأليف. وهذا أيضاً لم يكن مستحبّاً بالنسبة إلى بعبدا، التي تملك التوقيع على مراسيم تأليف الحكومة، وتحديد موعد الاستشارات النيابية لتسمية رئيس الحكومة.