مع إعلان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي عن رفضه التسوية التي كانت مطروحة من أجل استعادة جلسات مجلس الوزراء، تعود كل الملفات المطروحة والمشاورات والمقاربات التي سُجّلت على خطها بين المقرّات الرئاسية إلى نقطة الصفر أو المربّع الأول. وفي هذا المجال، فإن ما حصل من عملية خلط للأوراق بفعل سقوط التسوية وقرار المجلس الدستوري بشأن عدم التوصّل إلى موقف من الطعن المقدّم من تكتّل «لبنان القوي» بقانون الإنتخاب، قد كان له مفعول «الإنقلاب» على الجميع، كما وصفته مصادر نيابية بارزة، حيث اعتبرت أن ما حصل، شكّل مفاجأة لأطراف هذه التسوية أولاً، وللبنانيين ثانياً، وللمتابعين الدوليين، وفي مقدّمهم سفراء دول القرار في بيروت، وبشكل خاص، الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، الذي شهد، كما المواطنين، وقائع ما حصل من إعلان رئيس الحكومة بأنه غير معني بأية تسوية سرّية، وتالياً، مناخ التوتر والإحتقان الذي ساد الأجواء الداخلية، في ضوء الحديث عن إحتمال استقالة الحكومة.
وكشفت هذه المصادر، أن «قطوع» الإستقالة قد مرّ، ولكن المواجهة السياسية التي اندلعت غداة التصعيد اللافت من قبل رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، قد رسم معالم مرحلة جديدة من العلاقات السياسية داخل فريق ما كان يعرف بقوى 8 آذار، حيث أن مسؤولين ونواباً في تكتّل «لبنان القوي» يتحدّثون عن تغيير في قواعد اللعبة، وفي العلاقات بين «التيار» وحلفائه، وفي مقدّمهم «الثنائي الشيعي».
وفي هذا الإطار، نقلت المصادر نفسها، عن شخصية حزبية عونية، أن زمناً جديداً سينطلق إعتباراً من مطلع العام الجديد ما بين «التيار» و «الثنائي»، إذ أن قيادة «البرتقالي» تستعدّ لعملية مراجعة شاملة لكل المحطات التي مرّت بها هذه العلاقة خلال السنوات الماضية، مع العلم أن ذلك لا يقتصر فقط على طريقة تعاطي «الثنائي» مع «التيار»، وإنما لجهة «إحباط» كل العناوين والشعارات التي كان قد رفعها «التيار الوطني الحر» منذ بداية العهد إلى اليوم.
لكن، هل يعني هذا التطوّر أن التصعيد سيكون عنوان المشهد الداخلي مع بداية العام 2022؟ عن هذا السؤال، تشير المصادر النيابية نفسها، إلى أن ما حصل كان حتمياً نتيجة الإحتقان المتراكم خلال الأشهر الماضية على خط العلاقات ما بين «التيار الوطني الحر» و «الثنائي الشيعي»، والذي فشلت كل المحاولات والوساطات والتدخلات التي قام بها حزب الله في إزالته، والحدّ من تداعياته على أداء مجلسي النواب والوزراء، إذ أن كل الصيغ التي طُرحت من أجل تأمين تفاهم يسمح بعودة وزراء «الثنائي الشيعي» إلى جلسات الحكومة، من خلال معالجة نقاط اعتراضهم المتمثّلة بالتحقيقات في انفجار مرفأ بيروت، قد اصطدمت على الدوام بموقفي رئيسي الجمهورية والحكومة ميشال عون ونجيب ميقاتي، المتمسّكين بالفصل بين السلطات، وبنتيجة ذلك، عدم التدخّل في عمل القضاء.
وعليه، فإن كل هذه المحطات تقود، وكما تكشف المصادر ذاتها، نحو عملية مراجعة شاملة للعلاقة ما بين طرفي تفاهم «مار مخايل»، لجهة تنقيتها من الشوائب وتعزيزها لمواجهة تحدّيات المرحلة المقبلة، في ضوء تأكيد وجزم قيادة «التيار البرتقالي»، بأن التحالف الإستراتيجي بينهما ثابت ولن تؤثّر به كل الحملات الجارية، والتي ما زالت من طرف واحد، على حدّ قول المصادر نفسها.