«نادينا بالشراكة.. و«14 آذار» أكثر نجاحاً في الإعلام»
«8 آذار» في «عيدها» العاشر: الاحتكام للتاريخ
لم تثر تظاهرة في تاريخ لبنان الجدل والنقاش والسجال.. والاتهامات، كما أثارته تظاهرة «8 آذار» في العام 2005، التي تصادف ذكراها يوم غد الأحد.
ما أشبه اليوم بالبارحة. الانقسام هو نفسه. المخاطر على لبنان هي ذاتها.. لا بل أشد. في ذلك الحين، لم يكن قد مرّ شهر على جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري. أراد «حزب الله»، متزعماً دعوة من قبل «لقاء الاحزاب والقوى الوطنية»، بعث رسالة الى الشركاء في الوطن، أن لا سبيل لتغيير ثوابت لبنان، وأن الشراكة في مرحلة ما بعد الانسحاب السوري من لبنان، هي السبيل لبناء مرحلة جديدة في ظل أخطار شبيهة بالتي تحيق بالوطن اليوم.
حينها، كانت البلاد في بداية انقسام مرير على نفسها. كانت المعارضة للوجود السوري ولسياسة دمشق في لبنان، تتبلور وتكبر وتحقق «النجاحات». لم تكن «14 آذار» قد تشكلت، ولكن ارهاصاتها كانت تؤشر الى معارضة شعبية متعاظمة، ظهرت بقوة اثر اغتيال الحريري في 14 شباط، وكبرت ككرة الثلج مع اعتصام المعارضة في ساحة الشهداء، معزَّزة بدماء الرئيس الشهيد.
في المقلب الآخر، وجد حلفاء سوريا أنفسهم في موقع الدفاع. وُجِّهت الاتهامات اليهم باغتيال الحريري. حملوا وزر مرحلة كاملة، غسل بعض الذين انقلبوا سريعاً على سوريا أيديهم من حلفهم الطويل خلالها مع دمشق.. وبات «حزب الله»، الذي لقي إجحافا في حجمه السياسي في عهد الوجود السوري، بدعوته الى تظاهرة رياض الصلح، مُتهما بتعويم «رموز العهد الماضي».
أراد حلفاء سوريا رسم معالم المرحلة المقبلة على بلادهم.
ويدافع قيادي حزبي، كان من المحرّكين الرئيسيين لتظاهرة «8 آذار»، عن الاتهامات بأن التظاهرة جاءت لتشكر السوريين على «جرائمهم»، على حد تعبير مناهضي سوريا في ذلك الحين، بالقول إن «8 آذار» وجهت رسالة واضحة الى معتصمي ساحة الشهداء عبر الدعوة الى التلاقي والتواصل وتحييد البلاد عن الانفجار. ويشدد على ان حلفاء سوريا أرادوا منع تدويل الأزمة في لبنان، عبر الدعوة الى «لبننة» الصراع «إذ كنا على دراية بما تحمله رياح القرار 1559 الى لبنان»، كما ان تحركهم جاء ليقول إن تغيير النظام في الشارع ممنوع.
ومن يذكر تلك الفترة، يلاحظ ان التظاهرة الضخمة في رياض الصلح جاءت إثر تحركات متفرقة لحلفاء سوريا، كاد ان يودي بعضها الى اصطدام على الساحة اللبنانية، لذا، أراد «لقاء الأحزاب» تنفيس احتقان الشارع عبر تظاهرة «8 آذار» التي هتفت لـ «الحرية والسيادة والاستقلال»، ولـ «حماية السلم الأهلي واعتماد الحوار».
ومن يراجع خطاب الأمين العام «لحزب الله» السيد حسن نصر الله، وبعض الخطابات الأخرى في رياض الصلح، يلاحظ ان الدعوة الى كشف الحقيقة في اغتيال الحريري شكلت عنوانا أساسيا في التحرك. وأعلن نصر الله حينها ان «الحقيقة إذا كشفت ستصون لبنان وتصون سوريا، لأن الحقيقة إذا كشفت سوف يسقط أكبر سلاح للفتنة وسوف تبعث الطمأنينة في قلوب الجميع»، مشددا على «اننا ندعو الى اخراج قضية استشهاد واغتيال الرئيس الحريري من ساحة التجاذب السياسي والتوظيف السياسي، لأنها قضية وطنية جامعة».
وفي رؤيته لحل الأزمة، دعا نصر الله الى «تشكيل حكومة اتحاد وطني تدير الانتخابات المقبلة، تلاحق بجد وعزم وصدق قضية اغتيال الحريري، وإذا لم توافق المعارضة، إذا فلنذهب الى مكان آخر الى طاولة الحوار».
ويشير القيادي في تحرّك «8 آذار» الى انه كان باستطاعة حلفاء سوريا التصعيد، وعدم القبول بما نتج بعدها بأشهر من تحالف رباعي (حزب الله، أمل، المستقبل والاشتراكي). كما انه كان بوسعهم رفض إجراء انتخابات نيابية تمكن الطرف الآخر من حشدها «على دماء الحريري». إلا ان حلفاء سوريا لم يذهبوا الى هذا الخيار صونا للسلم الأهلي. ويُذكّر القيادي ان حلفاء سوريا تخلّوا عن فكرة طرحت لدى التحضير لتظاهرة «8 آذار» لإقامة اعتصام دائم في رياض، ردا على اعتصام المعارضة حينها. وكان هذا دليلا، بنظره، على عدم رغبة هؤلاء بالذهاب بعيدا في الهجوم على الطرف الآخر.
هذا مع العلم ان أخصام سوريا يشيرون الى ان صعوبة المرحلة على حلفاء سوريا، هي التي دفعتهم الى القبول بالتنازل. ويلفتون النظر الى ان الحلف الرباعي يعد «تنازلا من قبل قوى «14 آذار» التي كانت الرياح الدولية ونبض الشارع في صالحها». لكن القيادي في «8 آذار» يشدد على ان حماية المقاومة شكلت أساس خيارات حلفاء سوريا، وكان يكفي تأمين أجواء محصّنة للمقاومة وللثوابت الوطنية للقبول بالجلوس مع الطرف الآخر. هو يسمي خيار حلفاء سوريا في تلك المرحلة بـ «إستراتيجية الحكمة» في تجنيب البلد الانفجار.
لكن يؤخذ على تظاهرة «8 آذار» غلوّها بالشعارات الداعمة للرئيس السوري بشار الأسد ولسوريا. إذ ان التظاهرة كانت حافلة بصور الرئيس السوري بشار الأسد، وباللافتات والشعارات، وظللتها الهتافات لسوريا، شاكرة لها دورها في لبنان. ويجب التسجيل أيضا ان التظاهرة جاءت في ذكرى وصول «حزب البعث» الى السلطة في سوريا العام ١٩٦٣.
لكن القيادي في التحرك يشدد على ان ذلك يجب الا يستفز الطرف الآخر، «بعد كل ما قدمته سوريا الى لبنان»، مؤكدا ان تحرك معارضي سوريا كان سيدين كل ما كان الحلفاء سيأتون به في التظاهرة، ومهما كان الإخراج الذي سيختارونه. ويشدد على ان «جل ما كان يريده المنظّمون يتمثل في عدم قطع الروابط مع دمشق وعدم التخلي عن الخيارات الإستراتيجية الوطنية».
ومن الملاحظ ان القوى التي شكلت مشروع «14 آذار» أرادت في تلك الفترة تحييد «حزب الله»، ولم تكن هجماتها عليه حادة كما هي عليه اليوم، وكان الاتهام بقتل الحريري موجهاً حصراً الى النظام في دمشق. كما ان تحرك رياض الصلح كان جامعاً للطوائف المختلفة في لبنان، ولم يكن الانقسام المذهبي مريراً. وعلى سبيل المثال، شارك قوى حزب «الكتائب»، وقيادات في «الجماعة الإسلامية»، في تظاهرة «8 آذار».
ومن المشتركات بين تظاهرتي 8 و14 آذار، كان التمسك باتفاق الطائف. وكانت شعارات تظاهرة رياض الصلح واضحة في اعتبار القرار 1559 انقلابا على الطائف والاجماع الوطني، كما انه انقلاب «على دماء ووصايا الرئيس الشهيد رفيق الحريري»، وانقلاب على الأسس التي قام عليها لبنان بعد الحرب الأهلية، كما أعلن نصر الله. كما اشتركت التظاهرتان في رفض التوطين، لكن «8 آذار» شددت على ان موقفها ليس عنصريا، بل لأن التوطين يشكل خدمة لإسرائيل.
ويشدد القيادي على ان «8 آذار» استشعرت مناخ الفتنة الذي يحضّر للبلد مع اغتيال الحريري، ويؤكد ان المخاوف سرعان ما ظهرت، «ونحن نشهدها اليوم في المنطقة». من هنا، أرادت «8 آذار» طمأنة الطرف الآخر، مع التأكيد انه «لا يمكن ان يفرض أحد خياره على أحد»، إذ كان يخشى من ذلك في ظل المد الشعبي المندد باغتيال الحريري.
ولكن يبرز السؤال اليوم: لماذا لم تتحول «8 آذار» الى مؤسسة على غرار «14 آذار»؟
يشير القيادي الى ان «8 آذار امتلكت أحقية القضية، ولكنها فشلت مؤسساتيا. في المقابل، لم تمتلك 14 آذار قضية محقة، إلا انها تفوقت على الطرف الآخر في مأسسة عناوينها».
أما لماذا اعتبرت «14 آذار» أكثر نجاحا، فإن السبب يعود الى ان سوريا قررت «الانسحاب من لبنان تجاوبا مع قرار دولي بذلك في تلك المرحلة»، كما يؤكد القيادي الذي يشير أيضا الى ان «14 آذار» كانت أمهر إعلاميا من «8 آذار» في إبراز «إنجازاتها»، لافتا النظر الى ان أطرافا في «8 آذار» لا يعتبرون أنفسهم في هذا الإطار، بل يطرحون تياراتهم خارج الاصطفافات التي جاءت بها تلك المرحلة.
وفي خلاصة إجابته عن جدوى تحرك «8 آذار»، يختصر القيادي ذلك باقتراح: «لما لا نحتكم الى التاريخ؟».