Site icon IMLebanon

8 آذار في قراءة للسجال بين “مستقبليين”: أثمان التزام مرحلة والتحلّل من أخرى

“انفجار” السجال الاعلامي داخل “البيت المستقبلي” على خلفية ملف الموقوفين الاسلاميين في سجن رومية خلال الساعات القليلة الماضية، هو محط رصد ومتابعة دقيقين من جانب دوائر في قوى 8 آذار، كون الحدث المسترعي للانتباه والذي أخذ مكانه في الأوساط الاعلامية والسياسية، له صلاته الوثقى بمعادلة الوضع الداخلي، وهو في الوقت عينه أحد تجليات مرحلة جديدة ولجها “تيار المستقبل” منذ فترة عنوانها العريض التحلل من تبعات إرث سياسي – عسكري عمره أكثر من 3 أعوام.

لم يعد خافياً بالنسبة الى هذه الدوائر أن “التيار الأزرق” منذ ارتضائه مشاركة “حزب الله” في الحكومة وقبوله لاحقاً مجالسته الى طاولة الحوار كان عليه حتماً الخروج من ظلال مرحلة لم تكن قصيرة اضطر خلالها الى مد خيوط خفية حيناً وشفافة حيناً آخر مع مجموعات ليست بالضرورة من نسيجه في طرابلس خصوصاً والشمال عموماً، واستخدامها لأمرين معاً:

– مواجهة الرئيس نجيب ميقاتي الذي اختار لحظة حرجة ومعقدة للتجرؤ على معادلات كان “المستقبل” يعتبرها ثابتة ومحصنة، وإرساء ثقافة عنوانها بالإمكان اقصاء التيار عن الحكم.

– استخدام ورقة المتشددين الصاعدين والمشحونين فزاعة تهديد لخصوم التيار ومعارضيه خصوصاً في لحظة الاحتدام في الساحة السورية. وعليه اخذ رموز من “التيار الأزرق” على عاتقهم مسؤولية ادارة لعبة العلاقة الخفية والمعقدة مع المجموعات والتيارات المتشددة في طرابلس، فصارت هذه الرموز في الواجهة مباشرة وتحمّلت تبعات هذا الأمر الصعب. لذا وجدت نفسها في موقع المحرج حيناً والمربك أحياناً عندما حان وقت التحلل من موجبات هذه العلاقة ومن اعباء فصم عراها، لا سيما عندما انطوت صفحة الاحداث وجولات العنف المتكررة على محاور طرابلس بعدما شرع الجيش في تنفيذ أمر عمليات صارم بمحاصرة خلايا الارهاب الشرس توطئة لاستئصال اخطاره الحاضرة والمحتملة.

حدثُ السجال المستجد إذاً هو أحد الاثمان التي يتعين على “المستقبل” ان يدفعها طائعاً أو مكرهاً لطي صفحة المرحلة الطرابلسية، واستطراداً مرحلة الاستثمار والبناء على علاقة طالما أنكرها التيار وعدَّ الكلام المباح لخصومه عنها تشويه سمعة وتبريراً لخطوات معينة كان يتهيأ للسير فيها، وهو أيضاً وأيضاً أحد الاثمان التي ينبغي دفعها للتكيف مع مقتضيات مرحلة ما بعد انطلاق الحكومة الحالية برئاسة الرئيس تمام سلام والصفقة التي أباحت انطلاقتها بعد مخاض عسير، وهي المرحلة التي فرضت على “المستقبل” خط سير مختلفاً وسلوكاً سياسياً مغايراً، خصوصاً أن هذا التطور الدراماتيكي فرض نتيجتين سياسيتين يبنى عليهما:

الأولى، فتح أبواب الحوار بين التيار “وحزب الله”، وهو أمر ظل موضع تباين داخل منازل “البيت المستقبلي” رغم مضي نحو 6 أشهر على انطلاق قاطرة هذا الحوار في رعاية سيد عين التينة.

والثانية، انفتاح باب الحديث عن معادلة حكم جديد في البلاد في المرحلة المقبلة من أبرز عناوينها عودة الرئيس سعد الحريري الى سدّة الرئاسة الثالثة شخصياً، والتي لم ينعم فيها سابقاً إلا لفترة لا تزيد عن السنة كانت حافلة بشتى صنوف المتاعب. ولم يعد خافياً ان هذا الكلام مقرون في الدوائر الضيقة بكلام عن فريق عمل جديد مهمته مواكبة انطلاقة رحلة الحكم المتوقعة للحريري، وهو أمر فتح باب التنافس الخفي بين رموز في الصف القيادي للتيار، وربما كان السجال الحالي أحد تمظهراته.

واذا كانت دوائر 8 آذار عينها لا تخفي ان الرئيس الحريري سبق له ان فصم علاقة التيار بنائبين من كتلته هما خالد الضاهر ومعين المرعبي لعدم قدرتهما على التكيف مع المرحلة الجديدة وتفضيل الاول البقاء عند مرحلة اطلاق سهام التشكيك بالمؤسسة العسكرية والتزام مهمة تأمين مظلة الوقاية للرموز والمجموعات السلفية والمتشددة، فان الدوائر عينها تتوقع المزيد من الخطوات المماثلة لأن عملية الانتقال من مرحلة الى أخرى في السياسة تستوجب حكماً التخلي عن بعض “عدة” المرحلة المنتهية، خصوصاً اذا ما استعصى على هذه “العدّة” تقبّل واقع الحال المستجد بكل شروطه ومندرجاته وتجلياته.

وفي قراءة الدوائر عينها ان مسارعة قيادة “التيار الأزرق” الى اسباغ التغطية الحازمة على قرارات وزير الداخلية نهاد المشنوق وخطواته في حق السجناء الاسلاميين في سجن رومية واعتبارها خطوات لا لبس فيها وانتقاد مهاجميه وخصوصاً النائب محمد عبد اللطيف كبارة، تنطوي على 3 أبعاد أساسية:

الأول، ان قيادة التيار عازمة على المضي قدماً في نهج القطع مع المرحلة الطرابلسية بكل ما حفلت به من شعارات وعلاقات، أياً تكن اثمان هذه الخطوة وتبعاتها على دواخل “البيت المستقبلي” وعلى التوازنات فيه.

والثاني، عدم التردد في المضي قدماً في طريق التكيف مع مقتضيات مرحلة ما بعد انطلاق الحكومة الحالية.

والثالث، الدفاع عن الوزير المشنوق على هذا النحو هو دفاع عن سلوك مميز يسلكه وضمنه الحوار مع “حزب الله”، وخصوصاً انه أحد الرموز الأساسية التي مهّدت لولادة هذا الحوار.

ومن البديهي أن رموزاً في قوى 8 آذار تبدي في سرها وسريرتها اغتباطاً بهذا السجال، معتبرة إياه تعبيراً عن أزمة صراع داخلي تعصف رياحه في “البيت المستقبلي”. ولكن ثمة في 8 آذار من ينظر الى الأمر من منظار آخر اذ يجد فيه رغبة من الطرف الآخر في المضي قدماً في رهاناته حتى النهاية بصرف النظر عما تقتضيه من تضحيات… وهو أمر واعد.