يعود اليوم الى بيروت رئيس دائرة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في الخارجية الفرنسية جان فرنسوا جيرو موفداً من بلاده سعياً إلى إيجاد الحلول الممكنة للاستحقاق الرئاسي.
صحيح أنّ جيرو يعود بعد أسابيع عدة على جولته التي شملت إيران والسعودية والفاتيكان، والتي قيل يومها إنّها لم تُحقّق أيّ تقدّم يُذكر، إلّا أنّ الموفد الفرنسي يُدرك جيداً، كما حكومة بلاده، أنّ المرحلة الراهنة تمهيدية بامتياز، ما يعني أنّ المراوحة ستستمر الى حين حصول الخرق المطلوب ورسمياً على خط واشنطن – طهران، وهنا بيت القصيد.
بالتأكيد، تبدو الصورة شديدة الخطورة مع اندفاع الأطراف المتضرّرة من الاتفاق في مسارها لإجهاضه قبل توقيعه. هكذا تحرّكت اسرائيل في الجولان، وهو ما عبّر عنه لاحقاً وصراحة رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو خلال تفقّده جرحى عملية «الثأر» التي حصلت في شبعا عندما اعتبر أنّ إيران تريد تدمير اسرائيل وأنّ بلاده لن تدع ذلك يحصل وهي ضد أيّ اتفاقات معها.
طبعاً لم تفاجأ واشنطن بالموقف الاسرائيلي، وعملت على محاصرة نتنياهو للحدّ من هجومه على الاتفاق، فأصدرت بعد عملية القنيطرة بياناً نَفت فيه علمها المُسبق بالعملية، ومن ثم بعد شبعا مُعلنة رفضها الحرب.
والإدارة الاميركية التي تعاني تحرّك اللوبي اليهودي الفعّال في الداخل الاميركي، والذي يُحرّض ضد الاتفاق متحالفاً مع الصقور وقطاع صناعة الاسلحة الفاعل والطامحين للوصول الى البيت الابيض، تلقّت ضربتين موجعتين، الاولى تمثّلت بدعوة رئيس مجلس النواب الاميركي، نتنياهو إلى إلقاء كلمة في آذار المقبل وذلك قبَيل الاجتماع الاميركي – الايراني الأخير والنهائي في شأن الاتفاق النووي، وذلك من دون المرور بوزارة الخارجية، كما تقتضي الاصول وبهدف مهاجمة الاتفاق.
أمّا الضربة الثانية فكانت أكثر خطورة مع الخبر الذي نقلته صحيفة «واشنطن بوست» عن تعاون المخابرات الاميركية والاسرائيلية في عملية اغتيال عماد مغنية قبل أيام من ذكرى حصولها، والهدف طبعاً إعطاء رافضي الاتفاق عند «المقلب» الآخر ملفاً دسماً لمهاجمة واشنطن، وبالتالي المساهمة في ضرب الاتفاق.
وفي الادارة الاميركية، هناك مَن جلس يرصد بدقّة حقيقة المواقف خصوصاً في الداخل الإيراني وفرز الألوان. من هنا مثلاً المتابعة الحثيثة لخطاب السيد حسن نصرالله الذي كان قد التقى قبل ساعات قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الايراني قاسم سليماني الذي يعتبر أحد أبرز القريبين من آية الله علي خامنئي.
وبَدا الخطاب بالنسبة إلى الغربيين غامضاً في بعض جوانبه، ولو أنه حمل رسائل مهمة، منها: «لا نريد الحرب ولو أننا لا نخاف منها». وعلى رغم الكلام عن تغيير قواعد اللعبة، وهو ما يثير واشنطن، إلّا أنّ البعض رأى إيجابية في إعلان ذلك كونه يردع نتنياهو عن القيام بأيّ مغامرة مجنونة.
ذلك أنّ القنوات الديبلوماسية تتناقل معلومات من اسرائيل تتحدث عن وجود نيّة لشنّ حرب على لبنان في آذار المقبل بهدف إعادة خلط الاوراق في المنطقة، وأنّ نتنياهو يُحضّر المسرح لذلك. من هنا يفسّر كلام وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان عن الحرب الثالثة في لبنان.
وبالتالي، فإنّ خطاب نصرالله في حضور ممثّل عن ايران رفع السقف وأبرَز قدرات حربية جديدة لحزب الله بهدف تبديد الانطباع بأنّ الحزب الذي يقاتل في سوريا ويعاني مع المجموعات التكفيرية ليس محشوراً، لا بل على العكس.
وفق كل هذه الصورة التي تتشابَك فيها الخيوط بين مؤيّد لولادة الاتفاق بين واشنطن وطهران، وساعٍ لضربه، يقف لبنان في المنطقة الصعبة حيث تبقى محطة آذار المحطة الأكثر دقة وخطورة. إذ يشهد هذا الشهر الانتخابات الاسرائيلية وأيضاً موعد المرحلة النهائية لحسم الاتفاق الاميركي- الايراني والأهمّ المرحلة النهائية لإسرائيل لإعادة خلط الاوراق.
والعاصمة الفرنسية التي تدرك كل ذلك، تراهن على قدرة الادارة الاميركية للإمساك بخيوط اللعبة في الشرق الاوسط. لذلك، تترك خيوط التواصل والتشاور مفتوحة أمام موفدها الذي يعمل في هذا الوقت على تحضير ملف التسوية ليكون جاهزاً إذا ما نضجت الظروف بدءاً من آذار المقبل.
وبات معروفاً أنّ ملف التسوية سيشمل بنوداً عدة تتناول رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة والتوازنات داخل الحكومة، إضافة الى توزيع الحقائب وقانون جديد للانتخابات النيابية وقيادة الجيش. ولكن في انتظار ذلك، لا بدّ للبنان من اجتياز المرحلة الخطرة بوَعي أكبر طالما أنّ المخاطر مفتوحة على كلّ الاحتمالات… من الحرب المفتوحة الى اغتيالات حساسة.