على الرغم من نفي وفاة الاقتراح الانتخابي الثالث لرئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل، فإنّ كلّ المؤشّرات تدلّ على أنّ هذا القانون بات في حكم المنتهي.
يُعوّل من طرحوا القانون على محاولات إنعاش أخيرة سيقوم بها باسيل مع رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط لإقناعه بالموافقة على القانون، لكنّ ذلك لن يؤدّي على الأرجح إلى تغيير موقف جنبلاط، المستاء من أداء باسيل، علماً أنّ الأخير امتنَع في لقائه الأخير مع وفد الحزب التقدّمي الاشتراكي عن إعطائه نسخةً كاملة عن القانون، ليحصل عليها من الرئيس نبيه برّي فيما بعد.
وبالإضافة إلى جنبلاط، فإنّ موقف «حزب الله» الذي ظهر في الإعلام قبل أن يتمّ تبليغه إلى أصحاب الشأن، بات واضحاً، وهو الرفض وإنْ مغلّفاً باقتراحات جذرية لتعديل القانون، ما يعني نسفَه من الأساس.
بعد سقوط الصيغة الثالثة، باتت الأزمة مفتوحة على كلّ الاحتمالات. فرئيس الجمهورية العماد ميشال عون سيتعامل مع مهلة آذار كما تعاملَ مع مهلة أيار، وسيضع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة في الدُرج، ما يعني أنّ الأمور ستتّجه حكماً إلى مهلة نهاية حزيران المقبل تاريخ انتهاء ولاية المجلس النيابي الحالي، والتي سيَسبقها جدالٌ عقيم حول القانون الانتخابي، لكن سيَسبقها أيضاً سعيٌ إلى التمديد للمجلس النيابي، الذي بات حتمياً، وتختلف السيناريوهات حول كيفية حصوله.
في المبدأ، ينال خيار التمديد للمجلس أكثرية الثلثين، فإذا ما استثنينا كتلتَي «التيار الوطني الحر» و»القوات اللبنانية» التي هي دون الثلث النيابي المعطّل، تتّجه غالبية الكتَل النيابية إلى الموافقة على التمديد كخيار اضطراريّ، لا بدّ منه لتفادي الفراغ النيابي.
ومِن غير المعروف ماذا سيكون عليه، موقف كتلتَي «القوات» و»التيار»، فهل سيَحضران إلى المجلس أم سيقاطعانها، والاحتمالان مطروحان، لكن ما هو جازم أنّ الرئيس عون سيَعتبر من موقعه الدستوري أنّ المجلس النيابي الممدَّد له غير شرعي، مع ما يترتّب على هذا الموقف من نتائج في العلاقة بين السلطات، خصوصاً بين السلطتين الأولى والثانية.
والمعروف أنّ العلاقة بين الرئيس برّي والعماد عون طالما شهدت فترات من التشنّج، بفِعل التمديد للمجلس الحالي قبل الانتخابات الرئاسية، لكن اليوم سيكون الوضع أصعب، لأنّ عون بات رئيساً للجمهورية.
وإذا كانت مهلة آذار تقترب من نهايتها، فإنّ البحث قبل انتهاء هذه المهلة بجلسات حكومية ماراتونية لمناقشة قانون الانتخاب قد سَقط وتخطّاه الزمن، خصوصاً بعد أزمة سلسلة الرتب والرواتب التي اختبأت خلفها قوى سياسية مشاركة في الحكومة، لاستنفاد مهلة توقيع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة، ولاتّهام حزب الكتائب بأنّ وراء معارضته للضرائب قطبة مخفيّة ساهمت في إشاحة النظر عن قانون الانتخاب، وستساهم في التمديد للمجلس النيابي.
هذه النظرية التي سوّق لها في الأمس تبتعد عن الواقعية، لأنّ الرغبة في التمديد كامنة لدى قوى سياسية مشاركة في الحكومة، وهذه القوى تعمل على الاستفادة من امتناع عون عن توقيع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة للذهاب إلى التمديد، علماً أنّ أوساطاً أخرى لا تُسقط احتمال أن يكون التمديد المقبل نتيجة تقاطُع واتّفاق مسبَق أسهَم في الوصول إلى تسوية انتخاب عون رئيساً.
وتدعو الأوساط إلى ترقّبِ مواقف الأطراف قبل إنضاج طبخة التمديد وبعده، وسط توقّع لموجةٍ كثيفة من الاستثمار السياسي لكلّ طرف على طريقته.
فـ«التيار الوطني الحر» سيرفع سقفَ التجييش تحت عنوان التمسّك بحقوق المسيحيين في قانون انتخابي عادل، وسيحاول استعمالَ هذا العنوان للحدّ من سلبيات التمديد على العهد، ومن سلبيات الإخفاق في إجراء الانتخابات النيابية، علماً أنّ ذلك كان أحد أبرزِ تعهّدات عون في خطاب القسَم.
أمّا تيار «المستقبل» الذي يظنّ أنّه مستفيد حتى إشعار آخر من التمديد، لاعتقاده بأنّه كلّما طال الوقت أكثر استعادَ من عوامل قوّتِه في الشارع، فهو سيركّز على توسيع التباين بين «حزب الله» و»التيار الوطني الحر» الذي ظهرَ في قانون الانتخاب، لكنّ كلّ ذلك لن يكون أكثرَ مِن محاولة تكتيكة قصيرة الأمد، لأنّ «التيار» يمكن أن يُفاجئ الجميع بترجمة ما أعلنَه باسيل عن الموافقة على النسبية، وطرحه على طاولة مجلس الوزراء، بالتنسيق الكامل مع «حزب الله».