قراءة بحثية في العلاقة السببية بين التنظيمات «الجهادية» في الإسلام السياسي:
تهميش حزب الله للحكومات المتعاقبة أدى إلى فشلها ودفع بعض السنّة الى العنف
يتحدث التقرير عن اتهامات تطال «حزب الله» بأنه همّش دور الحكومات المتعاقبة في لبنان وشكّل أقرب لحكومة ظل تعمل لمصالح أطراف إقليمية..
تأخذ العلاقة السببية بين التنظيمات «الجهادية» السنية والشيعية أو ما يعرف بالإسلام السياسي، حيزا واسعا ودقيقا في المناقشات التي تخوضها مراكز الأبحاث العربية والإقليمية وفي الدراسات الصادرة عنها، نظرا الى الترابط المصلحي – الجدلي بين هذه التنظيمات، وخصوصا لجهة مسببات نشوئها وأهدافها ومغذياتها السياسية – الجهادية.
ولعل أكثر المسائل المثارة راهناً تتعلق بكل من «داعش» من جهة الإسلام السياسي السني، و«حزب الله» من جهة الإسلام السياسي الشيعي، نظرا الى الهامش الكبير الذي يحتله كل منهما في التطورات الاقليمية وفي الحروب القائمة، وخصوصا في سوريا والعراق واليمن.
تستعيد إحدى الدراسات البحثية العلاقة الملتبسة بين بعض التنظيمات الجهادية والدولة الحاضنة، فتقول هذه الدراسة التي وضعها مركز صناعة الفكر للدراسات والابحاث: «التنظيمات الجهادية التي تمارس في نظر دول بعينها فعلاً خارج عن إطار المشروعية، تقف له بعض الدولة بالتأييد غير المباشر والدعم اللوجيستي والتمويل والدعم المخابراتي .فهناك الدور الذي كانت تلعبه بعض الدول العربية في دعم المجموعات الجهادية في أفغانستان أثناء الحرب السوفياتية – الأفغانية، ودور سوريا في دعم التنظيمات الجهادية أيضاً في العراق طيلة فترة الاحتلال الأميركي، والدعم الذي قدمته إيران للميليشيات الشيعية مثل ميليشيات حزب الله العراقية، وميلشيات «بدر» وغيرها، وكانت (…) مصالح دول تتشابك مع مصالح مجموعات قتالية وميليشيا مسلحة. لكن الوضع اختلف نسبياً مع تنظيم «الدولة الإسلامية» التي لوهلة فتحت جبهات مختلفة عليها. في البداية كان النظام السوري، ثم الحكومة العراقية بقيادة (رئيس الوزراء السابق نوري) المالكي، ثم زحفها على كردستان وقتلها الرهائن الغربيين، ثم اقترابها من الحدود السعودية، ثم فتحها حرباً مع الدولة اللبنانية وبالطبع «حزب الله» في عرسال. يضيف: من الصعوبة تفسير فتح كل هذه الجبهات من دون حليف واحد قوي، أو على الأقل من دون حليف مباشر واضح المساندة والدعم على مستوى الخطاب السياسي أو عرقلة خطوات تُتخذ لوقف أو عرقلة ضرب التنظيم عسكرياً» .
ويتابع التقرير: «التساؤلات المثارة عن مصلحة أميركية غير مباشرة في وجود «داعش» لعودة الولايات المتحدة مرَّة أخرى للمنطقة، قابلها واقعياً تكوين تحالف تقوده الولايات المتحدة لدك قواعد التنظيم، بل ومصلحة إيران تقابلت وتقاطعت مع الأميركي في مواجهة التنظيم. ومصلحة إيران في فرض نفوذها وهيمنتها على الوضع في العراق قابله دعم إيراني للأكراد ولحزب الله في محاربة التنظيم في مناطق كردستان وعرسال، وخسارة جزء من النفوذ الإيراني في العراق متمثلاً في الإطاحة بنوري المالكي (الحليف الأهم لإيران والولايات المتحدة). كما خفف توغّل تنظيم الدولة في العراق والحدود اللبنانية الضغط عن (الرئيس السوري) بشار الأسد، لكنه في الوقت نفسه سحب جزءاً من قوات حزب الله لمقاتلة التنظيم وعرقلته، وإن كان يبقى الأسد بحسب القراءة التحليلية مستفيداً كثيراً من هذا الوضع أمام الغرب، لتصديره صورة النظام الذي لا يقمع ثورة وإنما يحارب إرهاباً متطرفاً، وهو ما قد يخفف عنه الضغط بشكل كبير».
ويتحدث التقرير عن «الاتهامات التي تطال حزب الله بأنه همّش دور الحكومات المتعاقبة في لبنان، وأنه شكّل أقرب لحكومة ظل تعمل لمصلحة أطراف إقليمية دولية على الأراضي اللبنانية رغم انتخاب اللبنانيين من يمثلهم في مؤسسات الدولة، وهو الأمر الذي أدى إلى فشل حكومات تعاقبت على السلطة. هذا الأمر عكس بالضرورة رد فعل من السنة في لبنان، ودفع بعضهم الى العنف مثل الشيخ أحمد الأسير بدعوى الدفاع عن النفس وحماية المعتقدات ودعم الثورة السورية ضد جماعة «حزب الله» التي تدعم النظام البعثي في لبنان وسوريا».
ويشير التقرير البحثي الى ان «وضع تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) سيبقى قائماً طالما بقيت المشكلة السورية طي وضعها المتجمد. فالنظام السوري مستفيد بشكل كبير من وجود تنظيم «داعش» لشرعنة وجوده أمام النظام العالمي بحجة «مقاومة الإرهاب»، وتدخل إيران وحزب الله لدعم النظام السوري سيصبح أكثر شرعية أمام الداخلين الإيراني واللبناني بحجة «مقاومة سلفنة» الحراك السوري المقاوم للنظام السوري، في حين أن وجود «داعش» نفسه يؤثر في حركة المعارضة السورية بأطيافها المختلفة لانشغالها بالحرب الجانبية معه».