بعد طول انتظار وأخذ ورد وقّعت وزيرة العدل ماري كلود نجم مرسوم التشكيلات القضائية. في تغريدة على “تويتر” كتبت ان التوقيع جاء “بالرغم من ملاحظاتي التي اتمسك بها”، واعتبرت ان “الاهم من التشكيلات القضائية هو قانون استقلالية القضاء”. وفي تغريدة أخرى وجهت لوماً الى النواب ممن لا يثقون بالقضاء في ما يخص رفع السرية المصرفية عن حساباتهم لتسألهم: “كيف يطلبون من الناس ان يثقوا بالقضاء في ما يخص حقوقهم وحياتهم؟”. أمران يستحقان النقاش هنا، اولهما كيف لوزيرة ان تتمسك بملاحظاتها ثم توقع المرسوم؟ وهل قصدت في قولها هذا الغمز من قناة مجلس القضاء الاعلى انها وقعت ولكن عمله لا يزال موضع تشكيك من قبلها؟ أما الأمر الثاني فهو إستغرابها كيف لا يثق النواب بالقضاء ويطلبون من الناس الوثوق به. وهو السؤال الجوهري هنا. كيف يثق الناس بالقضاء وقد صار الحديث عنه وعن همومه مستباحاً وجسمه مشرعاً على الانتهاكات من كل حدب وصوب؟ حتى نجم ذاتها لم توفره خلال مقابلتها المتلفزة فتحدثت عن قضاة فاسدين ومحالين على التفتيش وعن تدخلات سياسية في التشكيلات القضائية. فأي قضاء مطلوب ان يحترمه الناس؟ رغم توقيعها على التشكيلات فإن السجال الحاصل بين نجم ومجلس القضاء الاعلى لا يشي بإيجابية العلاقة بينهما. هذه العلاقة الملتبسة منذ تسلمت نجم حقيبة العدل ومحاولة الاثبات أنها سلطة قائمة بذاتها على القضاة، انعكس ذاك الخلل في التعاطي على طريقة العمل والأداء حتى في موضوع التشكيلات القضائية. حاول مجلس القضاء الأعلى إثبات جدارته وتدوير الزوايا قدر الإمكان لتخرج تشكيلاته بما لا يتعارض وقناعاته، بينما وجدت نجم في التشكيلات باباً لتسجيل باكورة انجازاتها من خلاله.
ليست العلاقة بين نجم ومجلس القضاء الاعلى على خير ما يرام، خصوصاً في ضوء الملاحظات التي كالتها نجم بحق مجلس القضاء الاعلى ورد الأخير عليها بالوقائع، ليأسف “مجدّداً لما صدر عن السّيدة وزيرة العدل، في سياق مقاربتها غير المنصفة لموضوع التشكيلات القضائية، وما وجّهته إلى المجلس من مآخذ غير مسندة، في ما خصّ عدداً من المراكز القضائية، والأسماء التي اختيرت لتتولاّها”، ويوضح في هذا الإطار أنه “وتأكيداً منه على الشفافية، أرفق ربطاً بمشروع التشكيلات القضائية، أسبابه الموجبة التي تتضمن المعايير التي أقرّها واعتمدها، وأنّ الاقتراح قد أخذ في الاعتبار عدداً من القضاة العدليين لدى القضاء العسكري، الذي كان معمولاً به سابقاً، نظراً لحاجات العمل. وإنه، أمام إبداء رغبة السيّدة وزيرة الدفاع في التقيّد بملاك القضاة العدليين لدى القضاء العسكري، رفع المجلس اقتراحاً إلحاقياً في هذا الشأن”.
وتابع مجلس القضاء يقول، إنه “عند إحالة مشروع التشكيلات القضائية إلى السيّدة وزيرة العدل لم يكن قد تقاعد أي من القضاة الذين استبدلوا في الاقتراح الإلحاقي، وبالتالي لم يكن هناك خطأ في المشروع المحال، علماً أن تأخير صدور التشكيلات، استتبع لزاماً وضع هذا الاقتراح”، لينتقد بشدة حديث وزيرة العدل عن مآخذ مسلكية “تطاول بعض القضاة في مراكز محدّدة” واعتبره “غير مُسند ويُجافي الواقع”، مشيراً إلى “أنه كان من الأجدى إيراده في الملاحظات التي أولى القانون وزير العدل إبداءها حول مشروع التشكيلات، عوضاً عن ذكرها في وسائل الإعلام”.
وليست العلاقة السيئة تلك التي تعطي ذاك الانطباع عما آلت اليه الاوضاع على مستوى الجسم القضائي، فكل ما يحصل داخل أروقة القضاء صار مريباً حتى الملفات التي تُفتح وتعود ادراجها الى طي النسيان صارت موضع شك. كل ما يحيط بعمل القضاء صار خاضعاً للتسييس حتى تلك الملفات التي تُفتح على عواهنها والتوقيفات التي تحصل بالجملة والمفرق ويتم تظهير الامر وكأنه الاصلاح بحد السيف، فإذا بالموقوفين يطلق سراحهم بعد فترة “ويا دار ما دخلك شر”. واللائحة تطول هنا من توقيف متهمين وإطلاق سراحهم وبتدخل مباشر من المرجعيات العليا في الدولة، الى باخرة الفيول المغشوش التي اختصرت قصتها بفيول غير مطابق للمواصفات بعد ان كانت فضيحة من العيار الثقيل. ويكشف مطلعون على الملف ان كل ما فيه من تفاصيل يشكل فضيحة بذاته وقد تضمن ورقة مكتوبة بخط اليد تتحدث عن قضية الفيول المغشوش، وتنتهي بقضية موظفين لا يلتزمون بالدوام الرسمي. وكيف شهد هذا الملف ايضاً تدخلات أدت الى فك الحجز عن الباخرة كي لا يغرق لبنان بالعتمة.
وليس ملف الصرافين أفضل وأخف وطأة، توقيفات بالجملة طاولت نقيب الصيارفة الذي اطلق سراحه بكفالة وإذ به يتوجه على رأس وفد من الصيارفة ليزور رئيس الحكومة حسان دياب!
كأن التوقيفات فورة تتعالى وتيرتها ثم تتراجع. ثمة سر أو قطبة مخفية تقف خلف ملفات تفتح ثم تقفل من دون ان نشهد لها نهاية أو يصدر حكم بحق مرتكب. أي قضاء ذاك الذي تحدثت عنه نجم وقد صارت التوقيفات وفتح الملفات رهن الصراع بين الاجهزة الامنية؟ وكيف انقسم الجسم القضائي الى ثلاثة فرق من مجلس قضاء أعلى إلى نادي القضاة وبياناته التي تتحدث عن السياسة وتنتقد سياسة المصارف لتدخل طرفاً في الصراع السياسي، وصولاً الى فريق القاضية غادة عون التي صارت حالة بذاتها. لامت نجم النواب وفعلت فعلتهم. فعن أي قضاء يتحدثون؟