ان لبنان وقّع على الاتفاقية الدولية لقانون البحار الصادر بتاريخ 10/12/1982 وهو قانون رفضت إسرائيل التوقيع عليه حتى تاريخه وبالتالي فان هذا القانون يستند لتحديد الحدود البحرية اللبنانية الى آخر نقطة برية على الحدود البرية في رأس الناقورة وهي النقطة التي تحمل الرقم B1 سنداً للترسيم النهائي والرسمي لحدود لبنان استناداً لاتفاقية الهدنة الموقعة بين لبنان وإسرائيل سنة 1949 (المادة الخامسة منها)، بحيث يتم السير بالترسيم انطلاقاً النقطة B1 وصولاً الى الحدود الاقتصادية الخالصة التي هي 200 من كلم ضمن البحر.
وبالتالي فان أي اتفاق ترسيم بحري بين لبنان وإسرائيل يجب أن ينطلق وكما ذكرنا أعلاه من النقطة B1 وهي رأس الناقورة خاصة وان إسرائيل التي تزعم بأنها لم توقّع على اتفاقية قانون البحار الدولي اعتمدته مرجعاً أساسياً لها ضمن مقدمة اتفاقها مع قبرص بتاريخ 10/12/2010 وبالتالي فهي لا تستطيع أن تناقض نفسها في هذا الإطار كون اعترافها المذكور هو اعترافاً صريحاً لهذا القانون. (ربطاً صورة الاتفاقية الموقعة بين قبرص وإسرائيل- مستند رقم 1).
من هنا فان أي ترسيما بحريا لا يستند الى النقطة B1 في رأس الناقورة يكون متناقضاً مع أحكام قانون البحار وأحكام المادة الخامسة من اتفاقية الهدنة بين لبنان وإسرائيل سنة 1949 وهي التي أكدت على ان حدود لبنان هي الحدود المرسومة سنداً لاتفاقية بوليه-نيو كامب الموقعة سنة 1923 بين فرنسا وبريطانيا مما يعني ان أية مخالفة لهذه الأمور تكون بمثابة المخالفة الصريحة لأحكام المادة 2 و3 من الدستور اللبناني التي تمنع التنازل عن أحد أقسام الأراضي اللبنانية أو التنازل عنه مما يعني ان أي توقيع لمشروع الاتفاق البحري المتناقض مع نقطة B1 يعتبر مخالفة صريحة لأحكام الدستور اللبناني ولأحكام المادة الخامسة من اتفاقية الهدنة سنة 1949 وهو الأمر الذي يوجب على المجلس النيابي وضع يده بصورة سريعة وطارئة على مشروع الترسيم البحري كون أي تعديل لحدود لبنان يجب أن يتم بقانون وليس بقرار منفرد من أية سلطة سياسية وبالتالي فان الامتناع عن ربط الترسيم البحري بالترسيم البري هو مخالفة صريحة لقانون البحار الذي يلزم الترابط الكامل بين البر والبحر الأمر الذي يوجب الأخذ بالترسيم الموضوع من قبل قيادة الجيش اللبناني.
وبصورة استطرادية وإضافية وللتأكيد على موجب عرض أي ترسيم بحري بين لبنان وإسرائيل على المجلس النيابي فأننا ندلي بما يلي:
1- ان اتفاقية الترسيم البحري تخضع لاتفاقية فيينا الدولية المتعلقة بالمعاهدات بين الدول خاصة وان لبنان وقّع سنة 1949 على اتفاقية الهدنة مع إسرائيل وبالتالي ومهما كانت المبررات التي تدلي بها السلطة اللبنانية لجهة الناحية الشكلية لاتفاقية الترسيم البحري فانها تبقى معاهدة خاضعة لاتفاقية فيينا الدولية المتعلقة بالمعاهدات بين الدول.
2- تنص المادة 52 من الدستور اللبناني على حرفيته:
«يتولى رئيس الجمهورية المفاوضة في عقد المعاهدات الدولية وإبرامها بالاتفاق مع رئيس الحكومة. ولا تصبح مبرمة إلا بعد موافقة مجلس الوزراء. وتطلع الحكومة مجلس النواب عليها حينما تمكنها من ذلك مصلحة البلاد وسلامة الدولة. أما المعاهدات التي تنطوي على شروط تتعلق بمالية الدولة والمعاهدات التجارية وسائر المعاهدات التي لا يجوز فسخها سنة فسنة، فلا يمكن إبرامها إلا بعد موافقة مجلس النواب».
3- وكذلك الأمر فاننا نورد هنا بان المرسوم رقم 6433/2011 المتعلق بالترسيم البحري والذي لم يتم تعديله خلال فترة تصريف الأعمال للحكومة اللبنانية السابقة بعدما كان وزير الاشغال العامة ميشال نجار قد وقّع التعديل عليه سنداً للترسيم الذي وضعته قيادة الجيش اللبناني المبني على ربط الترسيم بالنقطة B1 والذي اعتمد الخط البحري رقم 29 يومها، فان المرسوم المذكور أعلاه كان قد صدر انفاذاً للقانون الصادر عن المجلس النيابي اللبناني بتاريخ 18 آب 2011 المتعلق بتحديد وإعلان المناطق البحرية للجمهورية اللبناني مما يعني ان أي اتفاقية ترسيم جديدة يجب أن يسبقها قانون صادر عن المجلس النيابي بهذا الخصوص وهو الأمر الذي لم تبادر السلطة اللبنانية المختصة بعرض مشروع قانون تعديلي للقانون المذكور أعلاه على المجلس النيابي (ربطاً صورة القانون – مستند رقم 2).
4- وعودة الى المادة 52 من الدستور فانها تتعلق بصلاحية محصورة برئيس الجمهورية بالاتفاق الحصري مع رئيس الحكومة ولا يوجد أي نص في المادة 52 على أي دور لرئيس المجلس النيابي بهذا الخصوص لا بل والأكثر من ذلك فان المسؤول الذي كان يتابع المفاوضات مع الوسيط الأميركي كان نائب رئيس المجلس النيابي الذي لا يحق له دستورياً القيام بهذا الدور سنداً لمبدأ الفصل بين السلطات.
ad
5- والأكثر من كل ذلك وسنداً للمادة 52 من الدستور، فان أي ابراما لأي اتفاق يجب أن يتم بموافقة مجلس الوزراء وهو الأمر الذي لم يحصل لانه من صلاحية حكومة قائمة دستورياً وليس حكومة تصريف أعمال كالحالة الحاضرة، إضافة الى انه لم يتم التطرق أبداً لموضوع موجب عرض هذه الاتفاقية على مجلس الوزراء.
6- والأكثر من كل ذلك فان المجلس النيابي ملزم دستورياً بالموافقة عليها قبل ابرامها وقبل التوقيع عليها من قبل السلطة الدستورية المختصة وخاصة انها اتفاقية دائمة لا يجوز فسخها سنة فسنة كما تورد المادة 52 من الدستور إضافة الى انها اتفاقية تتعلق بموارد مالية تعود للدولة اللبنانية مما یزید أيضاً موجب عرضها على المجلس النيابي وهو السلطة المخولة دستورياً لإجازة ابرامها سنداً للمادة 52 من الدستور.
7- وبصورة استطرادية يبقى هنا سؤال يتمحور حول إمكانية رفض رئيس الجمهورية اللبنانية و/أو رئيس الحكومة ابرام الاتفاقية سنداً للمادة 52 من الدستور بعد إقرار المجلس النيابي قانوناً يجيز ابرامها.
هناك رأي يقول بوجوب الابرام بعدما قرر المجلس النيابي ذلك بموجب قانون:
Il est vrai que dans le cas où la ratification est autorisée par une loi, on peut dire que le Président de la République a le devoir de ratifier
Vedel – cours de Droit Constitutionel et d`instructions politiques
(60-1956 p.1093)
ورأي آخر أقرّ للدولة بحق الابرام ورأي آخر أورد بأن ابرام الاتفاق هو من خصائص السيادة الوطنية وبان سلطة الدولة غير مفيدة في هذا الاطار الأمر الذي يعطيها الحرية في اختيار الزمان الملائم للابرام ويحق لها تعليق الابرام على تحقیق شرط معین أو رفض الابرام.
ولقد ورد في مؤلف القضية الدستوري الفرنسي:
Rousseau p. 92 – Dalloz p. 325
On notera enfin que la ratification étant un acte, les états qui ont signé un traité ne sont pas tenus de le ratifier. Ils peuvent refuser de le faire sans engager leur responsabilité internationale
Ce refus de ratification pourra être une acte politiquement inopportun ou inamical juridiquement il ne sera pas illicite
وبالتالي وطالما ان أية اتفاقية لم تبرم فهي تكون مجردة من آية قيمة قانونية وغير قابلة للتنفيذ وبحكم غير الموجودة قانوناً.
فالمجلس النيابي يصدر القانون بالإجازة بالابرام وان صلاحية الابرام هي لرئيس الجمهورية سنداً للمادة 52 من الدستور بالاتفاق مع رئيس الحكومة وبالتالي فان المجلس النيابي اما انه يوافق على إجازة الابرام أو أن يرفض الإجازة بالابرام ولذلك وعندما يصدر المجلس النيابي الإجازة بالابرام فهو يطلق يد السلطة الصالحة للابرام إذ تكون صلاحيتها استنسابية وخاضعة لتقديرها بالرفض أو الابرام لا بل ان رئيس الجمهورية يحق له إلغاء الاتفاقية التي سبق لمجلس النواب ان وافق عليها وعلى إجازة ابرامها كما حصل بالنسبة لاتفاقية 17 أيار 1983 التي أجاز المجلس النيابي ابرامها علماً هنا بان المادة 52 من الدستور لا تتضمن نصاً صريحاً حول هذا الحق الاستنسابي المتعلق بالابرام.
فأمام كل هذه الثغرات القانونية والدستورية نرى بان السلطة الإسرائيلية لم توقّع حتى الآن على اتفاقية الترسيم البحري لا بل ان الاتجاه هو اما لرفضها كما تم التداول فيه إعلامياً مؤخراً أو لعرضها على الكنيست الإسرائيلي إضافة الى وجود مطالبات لعرضها على الاستفتاء الشعبي.
وبالتالي وأمام كافة هذه المعطيات نرى السلطة اللبنانية توقّع وتوافق على المشروع مع بعض الملاحظات من قبلها عليه دون المرور بالمراحل الدستورية والقانونية التي ذكرناها أعلاه، لا بل من دون أن تشترط اقتران موافقتها النهائية ولو بصورة استطرادية على الموافقة المسبقة والنهائية من قبل السلطة الدستورية في إسرائيل.
لذلك فان مصلحة لبنان العليا توجب الأخذ بعين الاعتبار كافة هذه الأمور للمحافظة على ثروة لبنان وشعب لبنان والأجيال القادمة.
هذا ما اقتضى توضيحه لحماية حقوق لبنان وسيادته.