ليس لدى لبنان مستند شرعي رسمي معترف به في الأمم المتحدة يستطيع أن يواجه به المجتمع الدولي من أجل وقف العملية الإسرائيلية لاستخراج الغاز والنفط من حقل كاريش ولن يتمكن من إقناع الولايات المتحدة بأن ما تقوم به إسرائيل هو اعتداء على الحقوق اللبنانية، فالأميركيون وتحديداً آموس هوكشتاين سمعوا من مسؤولين لبنانيين وفي مقدمهم رئيس الجمهورية العماد ميشال عون إن الخط التفاوضي الذي يعتمده لبنان هو الخط 23 وليس الخط 29 علماً أن لبنان لم يعتمد بعد هذا الخط ولم يرسل أي إحداثيات جديدة تتعلق بتعديل الحدود البحرية رسمياً باستثناء الرسالة التي كان قد أرسلها إلى الأمم المتحدة و يؤكد فيها تمسكه بحقوقه وثروته البحرية، وان حقل «كاريش» يقع ضمن المنطقة المتنازع عليها، وجرى تعميمها في حينه على كافة أعضاء مجلس الأمن كوثيقة من وثائق المجلس تحت الرقم S/2022/84 بتاريخ 2 شباط 2022 وتم نشرها حسب الأصول، وقد يكون أي تعديل في هذا الظرف غير مفهوم لدى المجتمع الدولي او على الأقل تحيط به تحفظات دولية.
لا نقول هذا الكلام لأن لا حقوق للبنان في تلك المنطقة، بل نقوله لأن المعنيين اللبنانيين وفي هذا الموضوع بالذات أيضاً سادت بينهم الخلافات ولم يتفقوا على طرح واحد، وعندما اتفقوا مثلاً على رفض مقترح هوكشتاين الذي تحدث عن تعرجات على الخط 23 فشلوا في صياغة الرد الرسمي على هذا المقترح.
في هذا الوقت يترقب الجميع ما يقوم به «حزب الله» على خلفية بدء إسرائيل التحضيرات في حقل كاريش لبدء الاستخراج في خلال أشهر معدودة، فهل يُقدِم الحزب بالفعل على قصف السفينة energean power على خلفية مطالبة بيئته بذلك كي يسجل لها «انتصاراً» تسعى إليه؟ وهل في المقابل أقدم الإسرائيليون على هذه الخطوة من دون الحصول على ضمانات وتعهدات أميركية بحرية العمل وسلامته؟
لقد أكد «حزب الله» أكثر من مرة وعلى لسان أمينه العام السيد حسن نصرالله أن موقف الحزب من هذه المسألة سيكون استناداً إلى الموقف الرسمي اللبناني، وهذا الموقف هو حتى اليوم مشتت على الأقل أو أنه لم يوثق الخط 29 كخط حدودي يحظر على إسرائيل العمل في منطقة كاريش باعتبارها منطقة نزاع.
قد يستند «حزب الله» في رده العسكري إلى بعض ما يقوله مسؤولون لبنانيون ومنهم نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب من أن هناك اتفاقاً مع الأميركيين ألا يعمل أحد في المنطقة المتنازع عليها ولكن ما هي حدود هذه المنطقة؟ كما أن هناك كلاماً يقول إن توثيق الحديث في مفاوضات الناقورة غير المباشرة عن الخط 29 يجعل منه بالفعل خطاً تفاوضياً.
بالنسبة إلى الأميركيين منطقة النزاع لا تشمل حقل كاريش، بل هي فقط تشمل حقل قانا وفي مقترح هوكشتاين يعطي الأميركيون هذا الحقل للبنان بتعرج بسيط لا يرقى للخط 29 ولكنهم في الوقت ذاته يقتطعون جزءاً كبيراً من البلوك رقم 8، وقد يكون خط هوكشتاين أفضل من خط هوف الذي حرم لبنان حتى من حقل قانا.
في هذه القضية ليس الخيار العسكري من قبل «حزب الله» مزحة لا تداعيات كارثية لها ولا سيما في فصل صيف واعد نحن بأمسّ الحاجة لعائداته، وليس التفريط بحقوق لبنان إذا وجدت في كاريش أيضاً مزحة، وفي الحالتين يبقى غياب الدولة وقرارها من أهم سمات الفشل الذي ورّط ويورّط لبنان في انهيارات ضحيتها أولاً وأخيراً اللبنانيون ومصالحهم.