بتوقيع رئيس الجمهورية ميشال عون اليوم يكتمل مشوار التواقيع على تعديل مرسوم توسيع الحدود البحرية الجنوبية 6433 ويصبح المرسوم نافذاً بانتظار عقد جلسة حكومية لاقراره على سبيل التسوية. وبما ان انعقاد حكومة تصريف الاعمال غير ممكن في الظرف الراهن فيفترض انتظار تشكيل حكومة جديدة ليسلك المرسوم المعدل طريقه باتجاه الامم المتحدة، كي يتم تبليغها بتعديل الحدود البحرية للبنان جنوباً.
وبإقرار التعديل يكون لبنان قد تمكن من تثبيت حقوقه في البحر على مساحة تصل إلى 2290 كلم مربع، بدلاً من 860 كلم مربع. ويعني أن انطلاق خط التفاوض يبدأ من النقطة 29 بدلاً من النقطة 23، التي كانت أدرجت في المرسوم الذي أقر في العام 2011. وبتوقيع رئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب ووزيري الدفاع والاشغال العامة يكون قد أسدل الستار على المزايدات بين القوى السياسية في الداخل لتتوجه الانظار نحو تبليغ الهيئة الاممية. يسجل لوفد الجيش اللبناني المفاوض على الحدود البحرية مع اسرائيل انتصاره في معركة تعديل المرسوم، والتي جيّش لها سياسياً واعلامياً وخاضها مستنداً الى دراسات معمقة ليبدأ بعدها التحدي حول امكانية نجاح المفاوضات مع العدو حول نقطة الحدود الجديدة والتي يفترض الالتزام بها كاملة. طوال الفترة الماضية كان الوفد المفاوض واثقاً من عودة المفاوضات على اساس النقطة الجديدة وحاجة اسرائيل الملحة للالتزام بالمفاوضات، ويبدو ان معلومات توافرت لديه من الراعي الاميركي لا تتعارض ومساعيه، وان الاميركيين لا يعارضون تمسك لبنان بحقه خصوصاً بعد تسجيله لدى الامم المتحدة.
وكانت تواقيع الامس والتي افتتحها وزير الاشغال ميشال نجار كفيلة باظهار خفايا السجال السياسي الذي شهده توقيع المرسوم. فخلال مؤتمر صحافي مطول غمز نجار من قناة وجود جهة عملت على خوض معركة اعلامية سياسية في مواجهة “تيار المردة” الذي ينتمي اليه، واحراجه وحصر مسؤولية التوقيع بوزارة الاشغال بينما كان يجب ان يدخل الامر في صلب اهتمامات وزارة الطاقة. وأشار إلى أن “تحفظنا على المرسوم وتريثنا كانا لأننا حكومة تصريف أعمال بالمعنى الضيق، وحرصاء على عدم المس بالدستور”. الشرح المطول الذي تولاه نجار كشف ان “المردة” لم يكن مرتاحاً للاجواء التي احاطت بتوقيع وزيره تعديل المرسوم، وهو كان شهد نقاشاً داخلياً حول التوقيع من عدمه وتراوحت الآراء بين من ربط الامر بوجود نوايا مبيتة لتوريط “المردة”، وبين آخرين نصحوا بالتوقيع كي لا يكون عقبة مستقبلاً. فضلاً عن الالتباس الذي تقصد نجار ان ينهي به حديثه، ففي رده على سؤال عن الجهة المستهدفة، استعان بمثل انكليزي: “اذا شكلها مثل البطة وبتمشي مثل البطة وصوتها مثل البطة يعني بطة”!
توقيع نجار جاء بعد اجتماع تقني عُقد في الوزارة مع الوفد المفاوض في عملية ترسيم الحدود، وبعد الاطلاع على الخرائط والوثائق اللازمة لذلك. وبعد نجار أعلن المكتب الاعلامي لوزيرة الدفاع زينة عكر انها وقعت المرسوم، بعدها اعلنت الأمانة العامة لمجلس الوزراء أنها أحالت إلى رئاسة الجمهورية اقتراح وموافقة الرئيس دياب على مشروع المرسوم، بعد أن وقع عليه كل من وزيري الدفاع والأشغال العامة والنقل، وذلك لأخذ الموافقة الاستثنائية عليه من رئيس الجمهورية لإصداره وفقاً للأصول التي يتم اتباعها في جميع الملفات التي تستدعي العرض على مجلس الوزراء، ويستعاض عن موافقة المجلس بخصوصها بموافقة استثنائية تصدر عن رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء، وعلى ان يصار إلى عرض الموضوع لاحقاً على مجلس الوزراء على سبيل التسوية.
ويعني كلام دياب لجهة عرضه لاحقاً على مجلس الوزراء ان الرحلة الاخيرة يفترض ان تكتمل في ظل تشكيل حكومة، لكن الخوف ان يحمل مفهوم التسوية قابلية للطعن في ما بعد، او ان يتم السير بالتعديل على اساس انه طارئ توجبه مباشرة اسرائيل في التنقيب بحقل “كاريش”، ما يجبر لبنان على ابلاغ الامم المتحدة والتعاطي على اساس النقطة 29 على انها الحدود البحرية المعترف بها رسمياً.
ويفترض ان توقيع المرسوم وإيداعه لدى الأمم المتحدة، يعززان موقع لبنان التفاوضي، ويجبران شركات التنقيب التي تعمل في إسرائيل على التوقف عن العمل، الأمر الذي سيشكل عنصراً ضاغطاً على الجانب الإسرائيلي. لكن الخوف من ان يكون لبنان قد دخل معركة جديدة بدأت باكتمال عقد التوقيع على تعديل مرسوم الحدود، حيث يطرح سيل من التساؤلات عما سيكون عليه موقف الراعي الاميركي للمفاوضات غير المباشرة، وكيف ستتعاطى اسرائيل مع هذا المستجد الذي كان مجرد طرحه قد أدى إلى وقف التفاوض مع لبنان. فهل سيخضع لبنان لمزيد من الضغط على خلفية ما حصل او ان الجانبين الاميركي والاسرائيلي سيجبران على الاعتراف بالواقع الجديد والتسليم باستئناف التفاوض ولو مجبرين، حفاظاً على مصلحة اسرائيل التي انطلقت في عملية التنقيب؟
رحلة تعديل مرسوم الحدود انتهت داخلياً لتبدأ المعركة في اروقة الامم المتحدة، وتقول المعلومات إنه وفور توقيع عون سيعمد وزير الخارجية الى اعداد مذكرة يبعث بها الى الامم المتحدة لابلاغها بالتعديل، كما سيبلغ السلطات القبرصية وخلال زيارته المرتقبة الى اليونان سيبلغ السلطات اليونانية التي تتولى شركاتها التنقيب في حقل كاريش، بأن العمل يجري في منطقة متنازع عليها ما يجبرها على وقف العمل التزاماً بقانون البحار، فكيف سترد اسرائيل وكيف سيتعاطى الجيش؟ الامر لا يبدو سهلاً.