Site icon IMLebanon

طلب لبنان استقدام خبراء دوليين يطعن بالتقرير البريطاني وينسف كلّ الخطوط المرسّمة

 

«خط هوف» سقط.. والعودة الى نقطة الصفر أفضل لحصول لبنان على حقوقه الخالصة

 

يرى البعض أنّ لبنان وجد مخرجاً للخلاف حول مسألة تعديل المرسوم 6433 المتعلّق بالإحداثيات الجديدة للحدود البحرية اللبنانية التي يعتمدها الوفد المفاوض باسم لبنان في مفاوضات الترسيم غير المباشرة مع العدو الإسرائيلي التي جرى تعليقها في 11 تشرين الثاني الفائت، وذلك عبر طلب رئيس الجمهورية العماد ميشال عون من مساعد وزير الخارجية الأميركية للشؤون السياسية السفير ديفيد هيل الى لبنان خلال لقائه به مساعدته على استقدام خبراء دوليين (أي أمميين) لترسيم الخط الحدودي الجنوبي. كما يعتبر أنّ هذا الطلب الذي رحّب به المبعوث الأميركي الذي جاء يسأل رئيس الجمهورية عمّا آلت إليه مفاوضات ترسيم الحدود الأخيرة، وعن موقف لبنان للعمل من أجل استئنافها، من شأنه تعليق العمل بتعديل المرسوم المذكور أو تجميده الى حين الإتفاق على الخط الفعلي والنهائي الذي يُحدّد المنطقة الإقتصادية الخالصة أكان الخط 1 أو 23 أو خط هوف أو 29 أو سواها.

 

فهل نَسَف لبنان بهذه الخطوة كلّ الخطوط المرسّمة والمقترحة لحدوده البحرية الجنوبية، وعاد الى نقطة الصفر ليُتيح للخبراء الدوليين تحديد الخط المؤكّد لحدوده من دون أن يكون عليه أي تحفظات أو ملاحظات داخلية وخارجية؟ وهل هذا يعني أنّه جرى «الطعن» بالتقرير البريطاني الذي وضعته مؤسسة الهيدروغرافيا سنتر (أدميراليتي) في العام 2011 أي منذ عشر سنوات، ولم يتمّ عرضه على مجلس الوزراء، وقد أخذ الوفد المفاوض منه أحد المقترحات الهندسية التي وجدها الأفضل ليُفاوض على أساسها (اي الخط 29) ؟! وهل هذا يعني بالتالي أنّه جرى تعليق مسألة تعديل المرسوم 6433 ولم يعد رئيس الحكومة المستقيلة حسّان دياب مضطراً لدعوة مجلس الوزراء الى عقد جلسة إستثنائية لإقرار المرسوم بإحداثياته الجديدة، كون هذه الإحداثيات سوف يتمّ تعديلها من جديد، سيما وأنّه يُطالب اليوم بخبراء دوليين لرسم الخط الحدودي النهائي؟!

 

في ظلّ «عجقة» الخطوط الحدودية مع الأراضي الفلسطينية المحتلّة و»كترة الطبّاخين»، يبدو أنّ «الطبخة قد شوشطت»، ما أدّى الى تعليق المفاوضات غير المباشرة الأخيرة بسبب رفض العدو الإسرائيلي حصول لبنان على كامل مساحة الـ 2290 كلم 2 التي طالب بها الوفد اللبناني المُفاوض.. في حين كان العدو الإسرائيلي يعتقد أنّه يأتي ليُفاوض على المثلث البحري (860 كلم2) وأنّه سيتقاسمه مع لبنان، بحسب ما اقترحه السفير الأميركي السابق فريديريك هوف في العام 2012 أي 490 كلم2 للبنان و370 كلم2 للجانب الإسرائيلي.

 

ويبدو أنّ لبنان قد استدرك أنّه من خلال تمسّكه بالخط 29 (من دون مسوّغ دولي) الذي اقترحه التقرير البريطاني من ضمن مقترحات هندسية عدّة في العام 2011، على ما تقول أوساط ديبلوماسية مطّلعة، لن يربحه مساحة الـ 1430 كلم2 التي أضافها الى الخط 23 أخيراً، زائد الـ 370 كلم2 التي اقتطعها هوف من مساحة المثلث البحري المتنازع عليه مقترحاً منحها الى العدو الإسرائيلي.. فمساحة الـ 1800 كلم2 التي كان يُمنّي النفس بالحصول عليها خلال المفاوضات غير المباشرة مع العدو الإسرائيلي التي عُقدت على 4 جولات (أو 5 جلسات) في تشرين الأول والثاني الماضيين، فضلاً عن حصّته من المثلث البحري، أي ما يُساوي 2290 كلم2 جعل المفاوض الإسرائيلي يُعلّق المفاوضات، كونها لامست نصف حقل «كاريش» و»آلون د» في البلوك 72 في منطقته البحريّة.

 

ولأنّ الإبقاء على المفاوضات معلّقة تضرّ بمصالح العدو الإسرائيلي حالياً أكثر من إلحاقها الضرر بمصلحة لبنان، كونه سبق لبنان بالبدء بأعمال التنقيب ويريد الإنتقال الى مرحلة شفط الغاز، يسعى «الإسرائيلي»، لدى الوسيط الأميركي لتحريك مسألة استئناف المفاوضات مجدّداً، وقد تذرّع بأنّ «لبنان بدّل موقفه مرّات عدّة» مع تعدّد الخطوط المقترحة. لهذا رأى لبنان، على ما أوضحت الاوساط، أنّه من الأفضل له استقدام خبراء دوليين، من الأمم المتحدة لديهم خبرة في قضايا الحدود البحرية لرسم الخط الحدودي الفاصل الذي لا يشوبه أي شائبة، في محاولة لحفظ حقّ لبنان الثابت في حدوده البحرية بدلاً من التفاوض على كيلومترات من هنا وأخرى من هناك، ولإنهاء النزاع مع العدو الإسرائيلي، ولكي يتسنّى لتحالف الشركات (الكونسورتيوم) ولا سيما «توتال» الفرنسية من بدء أعمال التنقيب في البلوك 9، كما هو مقرّر وفق الإتفاقية المعقودة معها..

 

ويُمكن القول بأنّ «اتفاق الإطار» الذي عمل عليه رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي على مدى عشر سنوات، وانتقده الخبراء مشيرين الى أنّ فيه ثغرات عدّة، قد أتى لمصلحة لبنان، على ما أكّدت الأوساط نفسها، كونه لم يعترف بما يُسمّى «خط هوف»، ولم يذكره كإطار أو أساس للتفاوض مع العدو الإسرائيلي. الأمر الذي جعل الوفد اللبناني المُفاوض يتحدّث عن الخط 29. ولكن في الوقت نفسه، سمح هذا الأمر للعدو الإسرائيلي الإصرار على النقطة 1 خلال عملية التفاوض التي تنسف المثلث البحري برمّته، وتجعل كلّ مساحة النزاع الجديدة (2290 كلم2) من حصّته، بحسب وجهة نظره.

 

وأشارت الاوساط، الى أنّ لبنان كونه متأكّد من أنّ المثلث البحري بكامله يدخل ضمن المنطقة الإقتصادية الخالصة التابعة له، تُضاف اليه مساحة أخرى لجهة الأراضي الفلسطينية المحتلّة، طالب هيل بالمساعدة على استقدام خبراء دوليين لحسم الموقف، ما جعل تعديل المرسوم 6433 حالياً لم يعد يجدي نفعاً لكي لا يُضطر لبنان الى تعديله مرة أخرى. فعندما يأتي الخبراء ويرسمون الخط الفاصل وفق الخرائط والوثائق والمستندات والإتفاقيات وما تحدّده القوانين سيكون على لبنان إمّا تعديل هذا المرسوم لمرة واحدة فقط، أو إرسال مرسوم جديد آخر ينصّ على إحداثياته الجديدة. وحتى ذلك الوقت، فإنّ إبلاغ الأمم المتحدة بأمر التعديل يكفي، وهي أساساً ستكون على عِلم بذلك لدى إرسالها الخبراء الدوليين كون المفاوضات غير المباشرة تحصل باستضافتها ورعايتها في مقرّ «اليونيفيل» في الناقورة.

 

وفيما يتعلّق بـ «خط هوف» الذي لا يزال العدو متمسّكاً به ويريد العودة الى التفاوض من حيث توقّفت، أي من التفاوض على منطقة النزاع المتمثّلة بالمثلث البحري، فتذكّر الاوساط بالمقال المفصّل للسفير هوف الذي نشره موقع «نيوزلاين» (في 7 كانون الأول 2020).. فقدسرد فيه هوف رحلة الوساطة التي قادها بين لبنان والعدو الإسرائيلي بشأن ترسيم الحدود بين عامي 2010 و2012، وأقرّ فيه بفشل اقتراحه الذي يعود الفضل فيه للخبير الأميركي الرائد في جميع أنواع الحدود البريّة والبحرية الراحل رايموند ميليفسكي وليس له، رغم أنّه سُمّي «خط هوف». ولعلّ أهمّ ما رواه هوف في مقاله هذا هو أنّه سعى الى «مساعدة الجانبين على التوصّل الى حلّ وسط»، مشيراً الى أنّ ميليفسكي علّمه أنّ «ما من صيغة واحدة تُناسب الجميع لترسيم الحدود البحرية المُتنازع عليها».

 

وجزمت الأوساط ذاتها بأنّ تمسّك كلّ فريق اليوم بخط معيّن، لا يُمكن أن يؤكّد أنّه يُشكّل حدوده أو حقوقه، لهذا فإن حسم هذا الأمر خبراء دوليون (أمميون) غير منحازين لهذا الجانب أو ذاك، فسيكون أسهل على لبنان حفظ حقوقه البحرية الجنوبية، والإقرار بها دوليّاً من قبل الأمم المتحدة. الأمر الذي يُنهي النزاع البحري ويفتح للبنان باب انضمامه الى نادي الدول المصدّرة للغاز والنفط في السنوات المقبلة وتحسين وضعه الإقتصادي المتردّي.