يبدو أن الجواب الأميركي عن المخرج الذي كان طرحه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون على وكيل وزارة الخارجية الأميركية ديفيد هيل حين زار بيروت قبل أسبوع، وقضى بامتناع الرئاسة عن توقيع مرسوم توسيع المساحة البحرية المتنازع عليها من 860 كلم² إلى 2230 كلم²، ثم الاستعانة بخبراء دوليين لتحديد الخط الفاصل للحدود البحرية، وأن تجمّد إسرائيل عملياتها لاستخراج الغاز في المنطقة الحدودية، جاء سلبياً قبل أيام.
وفيما كان توسيع المنطقة المتنازع عليها تسبب بتجميد المفاوضات في تشرين الثاني الماضي، ونصح الجانب الأميركي لبنان بعدم توقيع المرسوم لئلا تتوقف المفاوضات، فتجاوب الرئيس عون وفق الإخراج المذكور، تشير مصادر واسعة الاطلاع إلى أن واشنطن أبلغت بيروت بالجواب الإسرائيلي على عرض عون.
ما نقله الأميركيون عن تل أبيب تذكيرها بأن التفاوض عبر الديبلوماسيين الأميركيين بدأ منذ أكثر من 10 سنوات على أساس أن المطلب اللبناني هو الحصول على 860 كلم²، ثم تغير الأمر مرات عدة. وأفاد الجانب الأميركي، على ذمة المصادر، بأن إسرائيل أكدت أنها لا تنتظر لبنان للقيام بعملية الحفر في حقل كاريش (أو البلوك ألو دي 72 وفق الخريطة الإسرائيلية)، وأنها أنهت هذا الحفر وتم اكتشاف كميات من الغاز، وجرى تلزيم استكمال العملية، (للشركة اليونانية “إنرجين” التي تعاقدت مع شركة أخرى من أجل بناء التجهيزات العائمة لاستخراج الغاز)، وأن ما تبقى من عمليات هو بناء المنصة التي تتيح بدء الاستخراج. الرسالة شملت القول إن إسرائيل لا تنتظر إذناً لاستثمار الحقل الغازي، وإن الشركة المتعهدة أمنت صندوقاً استثمارياً بقيمة 2,5 مليار دولار مع مؤسسات ومحافظ مالية دولية. وشملت الرسالة تحذيراً بأن أي إعاقة لعملية الاستخراج ستسبب للبنان نزاعاً قانونياً مع الشركات، تؤدي إلى مقاضاته وإلى أحكام تجبره على دفع غرامات مالية كبيرة.
ما نقله الجانب الأميركي إلى لبنان جعل الرئيس عون يتهيّب الموقف والسعي إلى إيجاد مخارج لتدوير الزوايا عبر توجهين: الأول تشديده على التوافق الوطني، بعدما كان شجع على إصدار مرسوم توسيع المنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان، بزيادة المساحة المتنازع عليها مع إسرائيل إلى 2230 كلم²، والثاني عبر تشجيع الوفد المفاوض من الجيش اللبناني على تعديل الخريطة ما أدى إلى خفض المساحة المتنازع عليها إلى نحو 1300 كلم². احتاج عون إلى تغطية تراجعه عن الصيغة التي تضمنها المرسوم. وحين أوفد المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم والمدير العام في رئاسة الجمهورية أنطوان شقير أول من أمس، إلى رئيس البرلمان نبيه بري الذي كان تحفظ على الخريطة الجديدة التي تفوق عن الـ860 كلم²، لم يتجاوب الأخير مع اقتراح رئيس الجمهورية عقد اجتماع ثلاثي يضمهما إلى رئيس الحكومة المستقيل حسان دياب “للتوافق” على صيغة جديدة، كان رفض بري قاطعاً، بدءاً بعدم استعداده للاستماع، قائلاً: “أنا قمت بما عليّ بالحدود البحرية وسلمت الرئاسة النتيجة ببيان مكتوب”. ولم يمر الأمر من دون ملاحظة زاجرة من بري، فسأل بعد الاعتذار عن عدم قبول الاقتراح: “منذ متى يستقبلون الفاسدين في بعبدا”؟ مشيراً بذلك إلى ما ينقل عن الفريق الرئاسي من اتهامات للرئاسة الثانية بالفساد، أثارت حفيظته.
ونقل عن بري الذي كان شديد الاستياء من الأزمة القضائية، قوله للموفدَين: هم يضعون يدهم على الفساد أم يخرّبون البلد؟.