تُستأنف مفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل وسط حدّين في الموقف اللبناني الرسمي. الأول يقوم على تثبيت حق لبنان في الـ 860 كيلومتراً مربعاً الذي كان أساس مطلب حكومات لبنان المتعاقبة، والثاني هو المحاولة التي أشار إليها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أمس في اجتماعه مع الوفد اللبناني المفاوض حين قال إن “تجاوب لبنان مع استئناف المفاوضات غير المباشرة برعاية الولايات المتحدة الاميركية واستضافة الامم المتحدة، يعكس رغبته في أن تسفر عن نتائج ايجابية لحفظ الاستقرار والامان في المنطقة الجنوبية”.
في ما يخص الحد الأول استند لبنان إلى حدوده حتى الخط 23 الذي بدأ ترسيمه وتكريسه إبان حكومة الرئيس فؤاد السنيورة بين 2006 و2009، إن في الاتفاق مع قبرص (التي خالفته لاحقاً باتفاقها مع إسرائيل) أو في الوثائق التي أبلغت بعدها إلى الأمم المتحدة، والتي فاوض لبنان على أساسها، بوساطة أميركية تولاها السفير فريدريك هوف بعدما رفضت إسرائيل هذا الخط واقتطعت في خرائطها مساحة الـ 860 كيلومتراً مربعاً. انتهى “خط هوف” في حينها إلى التسليم بحق لبنان بأكثر من 55 في المئة ونيف من تلك المساحة. أما المساحة الباقية أي 44 في المئة ونيف، فلم يسلّم هوف بأنها لإسرائيل، وهذا ما يلتبس على كثر. فهو ترك المساحة معلقة ريثما يتفاوض البلدان، على أن تكون للجانب اللبناني حرية استثمار الـ 55 في المئة ونيف (ما يعادل 500 كلم مربع)، وتمتنع إسرائيل عن الاستثمار في مساحة الـ 44 في المئة المتبقية، بانتظار الاتفاق النهائي.
تفاصيل كثيرة حصلت منذ رسم هوف التسوية الموقتة، في 2012، والتي كانت تتيح للبنان التنقيب في البلوك الرقم 9. وتعاقب على الملف آموس هوكستين، ديفيد ساترفيلد، ثم ديفيد شينكر والسفير جون دو روشيه الآن. تولى المفاوضات البعيدة عن الأضواء مع الجانب الأميركي الرئيس نبيه بري، فرفع حصة لبنان إلى 660 كلم مربعاً ثم كان موعوداً بالباقي بحيث يُعترَف له بكامل الـ860 كلم مربعاً، في وقت كانت دائرة محدثة في الجيش رسمت الخط 29 على أنه يفصل بين المنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان (بإضافة 1430 كلم مربعاً)، وتلك العائدة لإسرائيل، بتشجيع من دوائر الرئاسة التي انتقلت إليها ناصية التفاوض، منذ 1 تشرين الثاني الماضي، فجمدت إسرائيل المفاوضات احتجاجاً.
حاجة الفريق الرئاسي إلى تحسين العلاقة مع واشنطن وسعيه إلى القوطبة على بري في ظل الأزمة السياسية، أديا إلى نشوء الحد الرئاسي الذي ترجمه رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل في 24 نيسان الماضي باقتراحين: الأول دعوته إلى خط جديد بين خط هوف وبين الخط 29، بحيث ينسب إليه ما أنجزه بري، مع محاولة لزيادة المساحة التي حصّلها بري ببضعة كيلومترات للإيحاء بأن الرئاسة حققت أكثر مما وصل إليه رئيس البرلمان. والثاني “تقاسم الثروات عبر طرف ثالث يكون شركة أو تحالف شركات عالمية، تقوم بالانتاج وتوزيع الحصص بين الجانبين عبر اتفاقين منفصلين مع الشركة”.
للاقتراح الثاني رواية موثقة، حين جاءت شركة “إيني” الإيطالية، الشريكة في التنقيب واستخراج الغاز اللبناني في البلوكين 4 و9 اللبنانيين، مع “توتال” و”نوفاتيك”، بخرائط في ربيع العام 2019 تقترح أن يتولى الكونسورسيوم الدولي التنقيب والاستخراج في المساحة المختلف عليها وأن توزع الشركات الضخ، مرة للبنان وأخرى لإسرائيل. حين تبلغ “حزب الله” بالفكرة الإيطالية، تشاور فيها مع الجانبين الروسي والإيراني، فلم يحبذاها، كل لسببه. فما الهدف من إحيائها ولإغراء أي من الدول المعنية بالتنافس على سوق الطاقة في المنطقة ومعظمها بات في منتدى الشرق الأوسط للغاز الذي يضم إسرائيل؟