IMLebanon

من مزارع شبعا إلى الخطّ 29  

 

 

من مفارقات دولتنا الرّديئة أنّها تتعامل بخفّة شديدة مع كلّ ما يتعلّق بترسيم حدودها البرّية قبل البحريّة، لم يفاجئنا أبداً اللّغط الشديد حول الخط 29 والأخذ والردّ حول إحداثياته والحديث عن «الحرب» من أجل حدودنا المائيّة لكن أخوف ما يخافه اللبنانيّون أن نكون أمام نفس سيناريو خرائط «مزارع شبعا» التي «خلقت» فجأة عام 2000 اعتراضاً على الانسحاب الإسرائيلي من طرف واحد في 25 أيار العام 2000 وتمسّك النظام السّوري يومها بصيغة «مزارع شبعا المحتلّة» ليبقي على احتلاله حتى لا يضطرّ إلى الانسحاب من لبنان وهي نفس اللازمة التي ورثها حزب الله ليرفض المطالبات بتسليم سلاحه للدولة تحت عنوان أنّ لبنان لا يزال محتلّاً… بنفس الخفّة ضاع اللبنانيّون بين الخطّين 23 و29 فأين تقع حدود لبنان البحريّة وحقوله من الغاز والنفط الاستراتيجيّة؟ وهي الثّروة التي لم تفعل الدّولة شيئاً من أجلها!

 

تدوينة العميد الركن المتقاعد بسام ياسين بالأمس عن الخط 29  الذي طالب بتعديل فوري للمرسوم 6433  الموجود في ادراج الدّولة منذ العام 2011 أثار حفيظة كثيرين خصوصاً ما قرّع به السّلطة اللبنانيّة كاتباً: «غريبة هذه السلطة التي تتفاجئ بما يجري بموضوع سرقة ثروة لبنان البحرية ومن ثم تعلم بها فقط عبر الاعلام… الاغرب انها تسأل اين تقف سفينة الانتاج FPSO، هل شمال الخط 29 او جنوبه؟ وكأنها لا تعلم ان انتاج النفط والغاز سيتم من كامل حقل كاريش الذي يقع جزء كبير منه شمال الخط 29 بغض النظر اين ستقف هذه السفينة… والاغرب من هذا كله ان هذه السلطة ستتفاجئ بانتقال سفينة اخرى للحفر تدعى Stena IceMax والتي تحفر حاليا في حقل كاريش بمحاذاة الخط 29 وستنتقل بعد ايام قليلة جدا للحفر شمال الخط 29 في حقل كاريش وفي بئر يدعى KN-01 المبين في الخريطة المرفقة»، هذا كلام ضابط كان يرأس الوفد التفاوضي للبنان على ترسيم الحدود البحريّة فيما تقول الدّولة كلاماً آخر مع أنّها تتحمّل مسؤولية الاستهتار بعدم تقديم جواب للوسيط الأميركي حول الخطّ الذي يستدرجوننا إلى فخّ الحرب بسببه من دون أن نعرف حقّاً إن كان حقّاً للبنان أم لا، خصوصاً مع كلام رئيس البلاد في مقابلة صحافيّة بأنّ حدودنا هي الخطّ 23 مع ملاحظة أنّ هذا الرّئيس وقبله رئيسيْن هما ميشال سليمان وإميل لحود قادة سابقون للجيش ومحيط بالخطوط البحريّة وحدودنا!!!

 

في الانتظار، أين أصبح ملفّ الاستشارات النيابيّة لتسمية رئيس مكلّف لتشكيل الحكومة؟ ليس بخافٍ على أحد أنّنا نعيش من ضمن منظومة نظام فاشل بامتياز، عمليّاً قد يكون الحديث عن تغيير النّظام أو الذّهاب إلى مؤتمر تأسيسي فيه وجهة نظر متقدّمة، خصوصاً أنّ الفراغ السياسي الذي نراوح فيه يفتح بازارات الكلام والمزايدات والشّعبويّة التي لا تقدّم ولا تؤخّر  الخلاصة الواضحة هي فشل النظام منذ الطائف عام 1990 في تطبيق الطائف، وسيبقى تضييع وقت التّكليف إن كُلّف إسم ما قد يكون نجيب ميقاتي الذي أبدى بالأمس استعداده لدعوة حكومة تصريف الأعمال للانعقاد إكراماً للخطّ 29 وسبق وأبدى استعداده لقبول تكليفه مجدّداً بتشكيلها وإن سبقها بكلمة شروط، الأمور عالقة حتّى وإن استترت خلف عناوين مختلفة  وستبقى رائحة جبران باسيل تعبق في أجواء الأسماء والتّسمية والتشكيل حتى وإن كان الحاضر في الصورة هو رئيس الجمهوريّة!

 

لم يعد مفيداً الالتفاف على الدّستور والتحايل على الصلاحيّات، هذه كلّها لن تطمس الحقيقة، ولن تعفي أحداً أو تبرّأ أحداً من مسؤوليّته، خصوصاً أن لا حديث عن ضغوطات فرنسية ولا أميركية هذه المرّة، وقد سبقت التّجربة بتضييع عام كامل لإنجاز عمليّة تشكيل لم تثمر ولم تولد بعدها حكومة قادرة على إنقاذ لبنان وكانت الدّول التي تتولّى مخاطبة لبنان تعتبر أنّ تلك الحكومة هي الفرصة الأخيرة للإنقاذ، وقد فشل الأمر فلا إنقاذ ولا من يُنقِذون  فيما لبنان قابع في حفرة تعطيل تشكيل حكومة وعالق في علّة التشكيل والتعطيل!

 

ميرڤت سيوفي