Site icon IMLebanon

أوهامُ قانا وحقائقُ الصفقة

 

يستمرُ اللبنانيونَ في تحليلاتِهم ومتابعاتهم اليومية، لمسار النزاع، حولَ ترسيمِ حدود المنطقة التجارية الخالصة، بين لبنان ودولة العدو المحتل لفلسطين التاريخية، وتحاول جهاتٌ عديدةٌ من منظومة الفشل والفساد والارتهان للخارج الحاكمة، تصويرَ الامور على غير حقيقتها، متبعة التمويه، أولا عبر اختباء حزب الله، خلف قرار دولةٍ أنكرَ خلال عشرات السنوات وجودها، وشكك في إدائها، وتجاوز صلاحيات حكوماتها، وخرقَ سيادةَ حدودِها ومعابرِها، واقتطعَ من رسوم جماركها وضرائب أموالها العامة، وانتهك انظمة اتصالاتها وقرارات مؤسساتها الدستورية، وكسر هيبة حكومتها وقضائها، وثانيا عبر التزوير المفضوح بأنَّ ما يجري هو مُقايضةٌ بين حقلين من الغاز والنفط، واحدٌ إسمه كاريش والآخرُ إسمُه قانا، والتزوير، هنا يحاول ان يُصوِّرَ أنَّ الصفقةَ التي يزينون الذهاب اليها، تَحمِلُ توازناً في المصالح، وتوزيعاً عادلاً للعوائد، وأنَّ الصفقة تضم رابحا يشارك رابحا آخر، فيحصل العدو على حقل مقابل حصول لبنان على حقل آخر، هذا التزوير لم يجرؤ على ارتكابه، اوقحُ المشعوذين، او السحرةُ الأكثرَ لؤماً ووقاحة. فحقل كاريش هو حقل تم اكتشافه والتحقق من موقعه، وجرت عمليات تنقيب متعددة في ارجائه، ثم انتقل العدو الاسرائيلي من مرحلة التنقيب والاستكشاف، الى مرحلة حفر الآبار التطويرية التي تحدد طبيعة المواد الكربونية المكتشفة ومحتوياتها الغازية والنفطية، ومن ثم بعد ذلك قام العدو بحفر ثلاثة ابار لاستغلال الموارد وتسويقها تجاريا، ويشكل وصول الباخرة اليونانية، استكمالا لجهوزية الحقول المحفورة لدخول مرحلة التسويق والتصدير، ومهمة الباخرة هي ربط آبار الانتاج بالساحل الفلسطيني، تمهيدا لإرسال الغاز بالأنابيب الى مصر، حيث يخضع للتسييل ويباع الى أوروبا، بعد تحميله على متن البواخر ناقلة الغاز الى دول الاستهلاك، وقد تم التوقيع اليوم في ١٥ حزيران ٢٠٢٢، مذكرة تفاهم بين اسرائيل ومصر والاتحاد الاوروبي لوضع هذه التجارة موضع التنفيذ العملي المباشر.

 

ماذا عن حقل قانا المزعوم!؟

حقل قانا هو حقل افتراضي، قد يكون موجودا، واحتمال وجوده يستند الى مسح زلزالي جرى منذ سنوات، وهذا المسح لا يعطي نتيجة جازمة بوجود غاز او نفط، بل يبين المسح الزلزالي وجود تجاويف وجيوب قد تكون متصلة ومتداخلة، ويحتمل ان تكون محتوية لمخازن مواد كربونية يندرج من ضمنها غاز او نفط، ويحتاج حوض قانا لكي يصبح حوض غاز او نفط، الى حفر ابار تنقيب واستكشاف، لكي ينتقل من احتمال ان يكون حوضا نفطيا او غازيا الى حقل غازي حقيقي، وقد حدث سابقا ان المسح الزلزالي ثنائي وثلاثي الابعاد، ان اشار الى احتمال وجود مكونات كربونية في البلوك رقم ٤، لكن البئر الاستكشافي الذي تم حفره في هذا البلوك، من قبل شركة توتال الفرنسية، لم يصل الى تأكيد وجود نفط او غاز…

ولو افترضنا ان ما حدث في البلوك رقم ٤، لن يحدث في حوض قانا، فان على لبنان ان يحفر بئرين استكشافين خلال سنتين قادمتين، ثم ينتقل الى حفر ابار التطوير، لتحديد طبيعة المواد وخصائصها، ثم ينتقل الى حفر شبكة آبار الاستخراج التي تمكنه من أن ينتج غازا او نفطا صالحا للبيع.

ويحتاج لبنان اذا ما بدأ اليوم بعمل جدي ودؤوب وبوتيرة سريعة لاستثمار حقل قانا، وحتى لو فرضنا جدلا، أنَّ الأمورَ حصلت على افضل وجه، وان النتائج كانت في افضل احتمال، يحتاج لبنان الى ثماني سنوات كاملة للوصول الى خط البداية في استثمار حوض قانا وبيع انتاجه.

لا تنتهي «أوهام قانا» فيما تقدم، بل أن لبنان سيواجه معضلة في تصدير انتاجه وتسويقه، فالمعروف أنَّ الغاز يباع وينقل بطريقتين؛ الاولى بواسطة انابيب تضغط الغاز وتدفعه من منبعه حتى مركز استهلاكه، والثانية بنقله بالأنابيب من فوهات ابار انتاجه الى محطات تسييل، اي تحويله الى سائل، يعبأ في بواخر ناقلة للغاز، الى محطات الدول المستهلكة. ولبنان لا يملك انابيب توصله بمحطات التسييل الضخمة التي اقامتها مصر على سواحلها على المتوسط، كما لا يملك محطات تسييل تمكنه من تسييل غازه وتحميله على بواخر ناقلة لتسويقه.

لا يقتصر «وهم قانا»، الذي يروج له على كل ما تقدم فقط، بل ان غاز شرق المتوسط الذي يكثر الكلام عنه، متزامنا مع ازمة الطاقة المتولدة من حرب روسيا واوكرانيا، ان غاز شرق المتوسط هذا، لا يغطي سوى ١٣% من حاجة اوروبا، وهو اصبح يخضع لمنظومة اقليمية تجارية وسياسية، تتألف من مصر واسرائيل والسلطة الفلسطينية وقبرص واليونان وفرنسا، وفي هذه المنظومة التي تربط ابار الانتاج بمحطات التسييل، بخطوط الانابيب المزمع اقامتها، بطول ١٨٠٠ كلم، من الشواطئ المصرية والفلسطينية مرورا بقبرص واليونان وصولا الى قلب اوروبا وفرنسا، لا مكان للبنان ولا قدرة له على التعامل مع هذه المنظومة ولا الدخول فيها، لأسباب سياسية وبنيوية واقليمية.

فعلامَ يجري التطبيل، لمقايضة بين  حقل قانا الافتراضي المشروط استثماره، بحدوث سلسلة من المعجزات الاقتصادية والسياسية، وبين حقل كاريش الذي وقع عقد بيع غازه في مصر واسرائيل مع الاتحاد الاوروبي، بالامس وليس غدا، وعلام بيع الوهم  وتسويقه كأنه الحقيقة!!!؟

فما هي طبيعة الصفقة وما هي حقيقتها!؟، ومقابل ماذا وبأي ثمن قامت منظومة الفساد والفشل والارتهان للخارج في لبنان، بتسهيل استثمار كاريش من قبل اسرائيل، وأي ثمن قبضته!؟ بنفسها واطرافها ام لحساب رعاتها في الاقليم.!؟

قد ينشغل لبنانيون كثر في نقاش خيارات ترسيم الحدود البحرية الفاصلة بين لبنان وفلسطين المحتلة، وقد يجهد خبراء وعلماء وجنرلات، لتبيان حقوق لبنان والدعوة للتمسك بها، قد يدل هذا الجهد ان لبنان يذخر برجالات كبار تدفعهم وطنيتهم، للدفاع عن اهلهم ووطنهم بكل طاقاتهم، لكن حقوق الوطن لا تحفظها سوى الدولة، والدولة لا تقوم دون رجالاتها، وتنهار حين يتولى سلطاتها العامة وقراراتها الوطنية، شلة من السماسرة، الذين اذا ما أوكلت اليهم حقوق الاوطان وثرواته، يُفَرِّطون ويتكسَّبون…فتضيع حقوق  الاوطان وتتبدد ثرواتها.