IMLebanon

لعنة ضعف الدولة!

 

مفهوم السيادة الوطنيّة غير قابل للتجزئة، تماماً كمفهوم الحريّة. لا يمكن التفلسف في تصنيف من يعتدي على السيادة، هذا صديق وشقيق وذاك عدو ومحتل. فعل الانتهاك هو واحد ولو إختلفت هوية المنتهك وعلاقته مع الدولة.

 

عندما بدأ هتلر قضم الأراضي والدول الأوروبيّة الواحدة تلو الأخرى قبل إندلاع الحرب العالميّة الثانية، وهي من الأسباب الرئيسيّة التي سرّعت في وقوعها، لم يكن يفعل ذلك من باب “الأخوّة” الأوروبيّة، إنما من باب التوسع الامبراطوري الجنوني والانتقام من مفاعيل هزيمة ألمانيا في الحرب العالميّة الأولى، ومن باب بسط السيطرة النازيّة على كل القارة، وذلك لا يتحقق إلا من خلال الاحتلال. ورغم الخشية من إندلاع الحرب، لم يصنّف قادة أوروبا ذاك العمل بغير وصفه الحقيقي أي إنتهاك لسيادة الدول المستقلة.

 

لبنان عاش ويعيش لعنة تاريخيّة هي لعنة ضعف الدولة وعدم قدرتها على حماية حدودها البريّة والبحريّة والجويّة. فالانتهاكات الاسرائيليّة للأجواء اللبنانيّة شبه يوميّة وطائرات إسرائيل تجول يوميّاً فوق المدن والقرى اللبنانيّة من الجنوب إلى أقصى الشمال. ولبنان لا يحرّك ساكناً ولا يستنكر، إعلاميّاً على الأقل، هذه الفظاظة الاسرائيليّة التي لا تعرف حدوداً.

 

أما تجربة ترسيم الحدود البحريّة فتم وأدها في مهدها ولم يكن قد مر على إنطلاق المفاوضات الثلاثيّة برعاية أميركيّة سوى أسابيع قليلة بعد ترتيبات إستغرقت نحو عشر سنوات قادها رئيس مجلس النواب نبيه بري ووضعت أسساً متينة للمباشرة في التفاوض والترسيم. ولكن، من دون سابق إنذار وتنسيق أو إرتكاز إلى أي معطيات علميّة أو هندسيّة أو فنيّة، رفع رئيس الجمهوريّة ميشال عون سقف المطالب بما يتخطى بأضعاف المساحات التي يحق للبنان بها.

 

ورغم أنه كان أول من بشّر بانضمام لبنان إلى نادي الدول النفطيّة، فمن الواضح أن ثمة عراقيل إقليميّة تحول دون إتمام ملف الترسيم البحري في هذه اللحظة. إنها لعنة ضعف الدولة مجدداً. كان بإمكان الرئيس عون أن يُسجّل للتاريخ أنه حقق في عهده هذا الانجاز التاريخي الذي من شأنه أن يطوي ملفاً كبيراً وشائكاً ومعقداً. فباستثناء جسر جل الديب، الذي تعرّض أيضاً لانتقادات هندسيّة وعلميّة، لم يُسجّل أي إنجاز فعلي شهده هذا العهد سوى الانهيار الاقتصادي والمالي الذي رسم الطريق بدقة نحو جهنم!

 

بموازاة كل ذلك، وكأن لبنان لا ينقصه المزيد من المشاكل، وقع إعتداء على مياهه الاقليميّة شمالاً من قبل النظام السوري. فسوريا التي تتواجد على أراضيها أربعة جيوش وتنتهك إسرائيل سيادتها يوميّاً (ولا تزال تحتفظ بحق الرد في الوقت الملائم للمناسبة!) تذهب في اتجاه إنتهاك سيادة لبنان.

 

في الحوار الوطني الشهير الذي نظمه الرئيس بري وانطلق في 2 آذار 2006 في مجلس النواب إتفق على عدد من البنود الهامة ومنها تحديد وترسيم الحدود مع سوريا. يومذاك، تمنى الأمين العام لـ”حزب الله” السيّد حسن نصرالله أن يُستخدم تعبير “تحديد” وليس “ترسيم” لأن قد يكون مقبولاً أكثر لدى الرئيس السوري بشار الأسد، ووافق المجتمعون. إلا أن شيئاً من ذلك لم يحصل، والجهات التي تقيم علاقات وثيقة وعميقة مع النظام السوري لم تساعد في تطبيق هذا القرار. فالحدود المتفلتة أكثر فائدة من الحدود المرسمة والمحددة بالنسبة للبعض. التهريب مثال حي!

 

لقد شكلت تلك المقررات (2006) منعطفاً هاماً ونادراً في مسار التوافقات اللبنانيّة الصعبة. صحيحٌ أنها لم تتخطَ الإطار النظري بفعل الانقسامات المحليّة العميقة والتأثيرات الخارجيّة الكبيرة، ولكنها أشارت في لحظة معيّنة الى أن التفاهم ممكن بين اللبنانيين، إنما تبقى العبرة في التنفيذ!