Site icon IMLebanon

“الممانعة” جائعة للإنتصارات… و”ترسيم التنازلات” فاجعة!

 

ينصرف كل فريق، سواء اللبناني أم الإسرائيلي، إلى تقييم الربح والخسارة من اتفاقية ترسيم الحدود، في حين أن هذا الأمر يمثّل اعترافاً لبنانياً واضحاً بوجود الكيان الإسرائيلي.

 

يُصرّ «حزب الله» وفريق العهد على اعتبار أنّ ما حصل هو بمثابة إنتصار للبنان، في حين أنّ حجم التنازلات المقدّمة من الجانب اللبناني كبير جداً، بحسب الخبراء الذين عملوا على موضوع الحدود البحرية.

 

وفي تشريح علمي لِما حصل، فإن إتفاقية الحدود البحرية هي تحديداً إتفاقية حقوق حول الموارد الطبيعية، وبالتالي فقد حققت إسرائيل من خلال هذه الإتفاقية ملكية كاملة لحقل كاريش وهي ستبدأ فوراً بالاستخراج، بينما لم يحصل لبنان إلا على جزء من حقل قانا الذي سيتشارك فيه مع تل أبيب عبر شركة «توتال» الفرنسية. ولا يعلم أحد كم ستستغرق المفاوضات بين «توتال» والدولة العبرية حول حصتها ومداخيلها من حصة «توتال». والجدير ذكره أنه في حالات مماثلة، استغرق هذا النقاش عشر سنوات.

 

أمّا بالنسبة إلى إعلان لبنان دولة نفطية بعد هذه الاتفاقية فهو أمر غير واقعي حالياً، لأن النزاع على الحدود الجنوبية لا دخل له بالبلوكات الأخرى التي جمّدتها الدولة اللبنانية من دون سبب واضح ولم تعمل على استخراج الغاز منها، حتى أن مجموعة الشركات وعلى رأسها «توتال» التي حازت ترخيص التنقيب في البلوك رقم 4 لم تبدأ بالاستخراج، وبالتالي فإنّ تمديد الامتياز لها حصل خلافاً للقانون بدل استبدالها بشركة أخرى جاهزة للاستخراج. وكانت الذريعة المقدّمة دوماً من السلطة أنّ لا اهتمام من قِبل الشركات الأخرى بالعمل في لبنان حالياً.

 

وتتغاضى السلطة التي تتفاخر بهذا الإنجاز عن واقع أنّ السبب الرئيسي لعدم اهتمام هذه الشركات لم يكن غياب الاتفاق على الحقوق في الحدود الجنوبية، لا بل بسبب عدم الاستقرار القانوني والضريبي والأمني في لبنان، كون الدولة لا تسيطر بالكامل على قراراتها، وهذا يزيد المخاطر بشكل كبير على الشركات.

 

وبالغوص أكثر في الأرقام، فإن ثروة لبنان من الغاز تُقدّر بأكثر من 25 تريليون قدم مكعب مجمّدة تحت البحر من دون استخراج، ولا يوجد قانون يرعى الصندوق السيادي الذي سيحفظ قيمتها للأجيال القادمة وحقوقها بعد الاستخراج، أو قانون يحدد العائدات الضريبية للدولة من القطاع أو ضمانات بعدم استخدام الأموال وهدرها كما حصل بمداخيل خزينة الدولة والمصارف.

 

وفي التفاصيل، يُقدّر حجم حقل قانا بنحو 3 تريليونات قدم مكعب، أي من 10 إلى 15 في المئة من ثروة لبنان الغازية، والمبالغ المتوقعة منه بحسب أسعار الغاز الحالية لا تتعدى 18 مليار دولار، وستكون للبنان حصة صغيرة منها بعد احتساب حصة إسرائيل والشركة العاملة، وقد يتطلّب استخراج هذه الكمية بعد التنقيب من 20 الى 30 عاماً، فيصبح المدخول السنوي للبنان من هذا الحقل فتاتاً مقارنة بالهدر القائم أو المداخيل التي ستحصل عليها إسرائيل من حقل كاريش الذي انتزعته باتفاقية رسمية من الدولة اللبنانية وقّعها رئيس الجمهورية من دون إطلاع مجلس النواب عليها.

 

ويعتبر «حزب الله» أنّ هذا الإنجاز تحقّق لأنه استخدم قوّته للضغط على إسرائيل لتوقيع الاتفاق، لكنّ النتيجة أثبتت أنّ هذا الاتفاق هو تنازل عن حقوق لبنان في حقل كاريش رسمياً، والمسؤولية الرسمية تقع على عاتق الدولة اللبنانية لأن «حزب الله» ليس هو من وقّع على الاتفاق وإن كان هو الحاكم ودفعها للتوقيع.

 

ويظهر جلياً أنّ كل هذه التنازلات هي فقط للحصول على جزء من حقل قانا، مع العلم أن لا علاقة لهذه الاتفاقية بباقي حقول الغاز القابعة في العمق اللبناني. فأين الإنجاز؟ وأين إنتصارات الممانعة الجائعة للحصول على إنتصارات وهمية وتمويل عجزها السياسي والإقتصادي؟