Site icon IMLebanon

معادلة لبنانية جديدة: التزامن بين الترسيم والتنقيب

 

بعد انتهاء زيارة الوسيط الاميركي في ملف ترسيم الحدود البحرية عاموس هوكشتاين لبيروت لن يتوقف الحديث عند حجم الفجوة الخاصة بالجزء الجنوبي من حقل قانا ولا تحوير الخط المباشر المؤدي الى النقطة 23 على حدود البلوكين 9 و8، وسينتقل الحديث الى ما بعد هذه المرحلة التي أنجزت مبدئياً للبحث في الضمانات المطلوبة على قاعدة إصرار لبنان على «التزامن بين الترسيم والتنقيب». وعليه، ما الذي تعنيه هذه المعادلة الجديدة؟

قبل ان يصل هوكشتاين الى بيروت الاحد الماضي سبقه بعض التسريبات المتناقضة، ومنها ما رسم خريطة طريق الى محطتين متناقضتين: فصبّت الاولى عند تقدم الخيارات التي تقود المنطقة الى حرب مدمرة بعد رفض مطالب لبنان بتصحيح خط «هوكشتاين المتعرج» لتفسح المجال أمام عملية عسكرية يمكن ان يقوم بها «حزب الله» تحت شعار دعم الدولة اللبنانية في مفاوضاتها على خلفية ان لا استخراج للنفط من حقل كاريش من دون ضمان حق لبنان فيه. وصبّت الثانية امام احتمال ان يعود الموفد الاميركي بموقف اسرائيلي إيجابي من طروحات لبنان دفع اليه بعدما نال ما ناله من الموقف اللبناني الاخير تحت شعار توفير الظروف الملائمة لاستخراج النفط والغاز من حقل كاريش مقابل بدء لبنان بالتنقيب لاستكشاف أحواضه بعد تحديد هوية المناطق المتنازَع عليها وتقسيمها نهائياً بين الطرفين.

وأمام السعي لمعرفة أيّ من هاتين الخريطتين قد حملها هوكشتاين إلى بيروت اقتصرت التسريبات التي ظَللتها الاجواء الايجابية على ترجيح كفة التهدئة وقطع الطريق على اي رهان عسكري يُحيي التوتر في المنطقة، بطريقة تعمدت تجاهل التهديدات التي نتجت من اطلاق حزب الله المسيرات الثلاثة مطلع تموز بعد أيام قليلة على زيارة هوكشتاين الأولى لبيروت، وتوزيع فيديو الاحداثيات الخاصة بالصواريخ التي يمكن ان تطلق من البر في اتجاه المنصة قبل ساعات قليلة على عودته. وهو ما أدرج تحت عنوان استبعاد الخيارات السلبية بعد ضمان الموافقة على الطرح اللبناني الأخير.

وفي ظل الغموض الذي ما زال يلف جوانب عدة من المفاوضات قيل انّ ما حمله الموفد الاميركي أنهى الحديث عن مصير «حقل قانا»، فهو للبنان من دون اي شريك ولا مطلب اسرائيلياً بتعويضات مالية مقابل تخلّيه عن الجزء الجنوبي منه المتوغّل في البلوك 72 الاسرائيلي، ولا حاجة ابداً لقيام شركات محايدة صديقة للطرفين بأعمال التنقيب والاستخراج وتوزيع المردود عليهما. ولما جاءت هذه التوضيحات لتشكل اجوبة شبه نهائية على مجموعة من الاسئلة التي شغلت الرأي العام لفترة سبقت عودة هوكشتاين، انصرفت المراجع المعنية إلى استكشاف مرحلة ما بعد الإقرار بمبدأ الترسيم واحداثياته المتفاهَم عليها وما يحول دون الإعلان عن اتفاق نهائي قبل تكريس حق لبنان في المراحل المقبلة وضمان التعاون لإتمامها كاملة، فلا تعطى اسرائيل حق الاستخراج من دون ضمان التنقيب في الجانب اللبناني. وقد اعطيت مهلة اسبوعين على الاكثر لضمان هذه المعادلة سلفاً. وهو ما فرض الحديث عن آلية جديدة على هوكشتاين ضمانها وتأمين ظروف تطبيقها قبل اي توقيع نهائي.

على هذه القاعدة، نشأت المعادلة اللبنانية الجديدة، والتي قالت بـ»التزامن بين الترسيم والتنقيب»، وهي التي حازت على قسم كبير من المناقشات في مختلف محطات هوكشتاين اللبنانية حتى في الاجتماع الموسّع حيث تظهر موقف لبنان كاملا وواضحا. وبرّر الجانب اللبناني نظريته بعدم القدرة على الإقرار النهائي بالحقوق الاسرائيلية وعدم ضمان حق لبنان في المراحل المقبلة وصولاً الى اتفاق متوازن لا يعطي اسرائيل الحق بالتفوّق نفطياً ويبقي المنطقة على فوهة بركان ان لم تتجدد التعهدات الدولية والأميركية خصوصاً لتسمح للشركات الدولية بالانخراط في اعمال الاستكشاف والتنقيب ضمن مهلة معقولة وليكون اي تفاهم متوازناً قدر الإمكان.

على هذه الخلفيات اضطر هوكشتاين الى الحديث عن آلية جديدة عليه ابتداعها طالما انه يصرّ على صفة «الوسيط المسهّل والنزيه» ولا بد من اعطائه الوقت الكافي للتوصل اليها الى ان تحظى بموافقة الطرفين لترعى التفاهم على التعديلات التي اقترحاها، وضمان الظروف التي تحقق مطالب لبنان المتخوّف من الضغوط الدولية والاسرائيلية ولا يضطر مرة أخرى للعودة الى احياء البحث في الخط 29 فهو على الرف ولم يحفظ في الأدراج إن أقفلت وسائط الحوار. خصوصاً ان الخطوات البديلة قد أطلّت بقرنها من خلال المسيّرات وإمكان استخدام اي صاروخ وهو ما يؤدي حتماً الى «خطوة عسكرية» لا يستطيع لبنان تقديم اي ضمان بعدم تطورها، بعدما تبرّأ من الخطوتين معاً وبما يمكن ان يستجرّه اي إجراء يتخذه «حزب الله»، خصوصاً ان وضعه في إطار المواجهة الاقليمية والدولية بين محورين لا دخل للبنان الرسمي في أيّ منهما.

وانطلاقاً من هذه المعادلة اللبنانية الجديدة تتوقع المراجع الديبلوماسية ان تتشعّب مهمة هوكشتاين في المرحلة المقبلة، فزيارته المباشرة إلى إسرائيل لتقديم العروض اللبنانية الجديدة لا تنهي المشكلة وسيكون عليه ان يدخل بلاده في عملية التفاوض من زاوية أخرى. فالضمانات المطلوبة من لبنان لا توفرها الحكومة الإسرائيلية وحدها، وسيكون على الإدارة الأميركية ان تنغمس أكثر في مهمة هوكشتاين الذي تعهّد بتوفير الضمانات الكافية للبنان ان ارادت حقا ان تقفل هذا الملف.

فقد نجح لبنان في استثمار الخطوات التي قام بها «حزب الله» لإقناع الاميركي بأنّ أقصر الطرق لقطع الطريق على اي مبادرة للحزب وتعطيل اي عمل عسكري او امني ايّاً كان حجمه ليس من مهمة الحكومة اللبنانية، لا بل إن على واشنطن ان تقدم من خلال اتصالاتها الدولية ما يوفّر عودة الشركات إلى مهمة الاستكشاف والتنقيب حيث تعهدت ليس في البلوكات الجنوبية فحسب، ورَد الاجوبة النهائية لإنهاء شكوك لبنان في الأسباب الضاغطة التي حالت دون استئناف أعمال الحفر في البلوك الرقم 4، فلبنان في حاجة إلى التثبت من ان قرار شركة «توتال» بوقف أعمالها فيه قبل سنوات كان قراراً اكراهياً نتيجة ضغوط اميركية قبل ان تكون دولية. فلم تكن تعهداتها السابقة محصورة بالحفر في بؤرتين او ثلاثة انما كان القرار بالبحث في اكثر من نقطة وان اضطرّت الى ما يزيد على 10 او 12 منها على الاقل قبل نَفي وجود مثل هذه الثروة، وهو ما لم يحصل.

ومن اجل فهم كل هذه المعطيات فإنّ عدم توافرها لن يؤدي الى ما يريده الجانبان الاميركي والاسرائيلي بإلحاح غير مسبوق. فإعطاء الحق الكامل لإسرائيل باستخراج نفطها من حقل «كاريش» في افضل الظروف الامنية واللوجستية والتقنية لا يمكن ضمانه قبل ان يطمئن لبنان الى ما سيسمح له في المستقبل القريب وان في معادلة لا ترسيم قبل التنقيب ما يؤدي إلى اتفاق نهائي وشامل يؤذِن بنجاح المبادرة الاميركية، ويطمئن الغيارى على أمن المنطقة وحاجة العالم الى نفطها في اسرع وقت ممكن