مطلع الشهر المقبل يتوقع ان يعود الوسيط الأميركي في مفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل آموس هوكشتاين الى لبنان مجدداً، حاملاً الرد الاسرائيلي على المقترح اللبناني بشأن الترسيم والذي كان حمله في اعقاب وصول باخرة التنقيب الى كاريش. بعودته تدخل مفاوضات الترسيم مرحلة بالغة الدقة، فإما ستكون امام انفراجات قريبة او يصبح الترسيم في خبر كان ربطاً بالاستحقاقات المحلية والاوضاع الاقليمية.
كانت العودة منتظرة بعد انتهاء زيارة الرئيس الاميركي جو بايدن الى السعودية، والتفرغ لموضوع الترسيم الذي يشكل حاجة اميركية ملحة لايجاد بديل عن الغاز الروسي. وتأتي الزيارة هذه المرة في اعقاب الخطاب المفصلي الذي اطلقه الامين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله سبقه اطلاق «حزب الله» للمسيّرات فوق باخرة التنقيب في كاريش. بعد المسيّرات قبل المفاوض بالخط 23، وبعد خطاب نصرالله بدأت العلامات الايجابية عن حقل قانا. لـ»حزب الله» قناعة في مكانها ان المسيّرات جاءت كعنصر معزّز لموقف لبنان في مفاوضاته خاصة لجهة اللعب على التوقيت واعطاء فرصة للاسرائيلي حتى شهر ايلول المقبل، والا فما المانع من تطيير المزيد من المسيّرات التي قد تساعد في تحصين موقف لبنان والتي قد لا تكون جميعها استطلاعية.
يمكن اعتبار ان مفاوضات الترسيم وفي ضوء عودة هوكشتاين اقتربت من الحسم. فشلها يمكن ان يدخل لبنان في حرب جديدة في مواجهة اسرائيل لانه بالتأكيد لن يقف مكتوف الايدي، بينما اسرائيل تتجاوز مرحلة التنقيب الى توقيع اتفاقيات لبيع الغاز الى اوروبا التي تتوق الى تأمين بدائل عن الغاز الروسي قبيل دخول فصل الشتاء. عندما يهدد السيد نصرالله بالحرب في حال فشلت مفاوضات الترسيم فهو يدرك ان الحرب متى وقعت ستكون خياراً لا بد منه. يدرك دقة الظروف الداخلية وحجم الازمة ولكنه على يقين ان لبنان ومتى شرع في استثمار حصته من الغاز سيكون ذلك عاملاً مساعداً على تجاوز هذه الازمة. مقاربة الموضوع تتوقف بالنسبة اليه عند عتبة المفاوضات المتعلقة بترسيم الحدود البحرية او بعبارة ادق بثروة لبنان النفطية والحصول على حقه كاملاً متكاملاً. بعيداً عن المزايدات المحلية التي تظهر كلما رفع السيد نصرالله وصعّد لهجته تجاه العدو الاسرائيلي، فإن هدف خطابه الاخير كان منع اسرائيل من التعنت بموقفها طالما لم تنته المفاوضات بعد. المطلوب منع اسرائيل من استخراج النفط اذا لم يستخرجه لبنان. وهذه هي المعادلة الجديدة التي تجاوز فيها السيد نصرالله مسألة ترسيم الحدود الى التنقيب عن النفط. المسألة لم تعد متوقفة على خطوط الترسيم ومسمياتها سواء الخط 29 او 23، وما نفع الحدود اذا لم نستطع الاستفادة من ثروتنا، وهل نتفرج على اسرائيل تستخرج الثروات النفطية بينما نقف بموقع المتفرج.
يستغل «حزب الله» عنصر الوقت، من اجل الحرب في اوكرانيا تحتاج اميركا الى اوروبا التي تحتاج الى الغاز، وهناك صراع بين اميركا من جهة والصين وروسيا من جهة اخرى، فمن المفيد وضع لبنان على الطاولة وهذا ما تقصّد «حزب الله» فعله بخطاب نصرالله الاخير مستغلاً اللحظة التاريخية لاعتقاده أن اوروبا اذا تمكنت من ايجاد البدائل عن الغاز الروسي فلا معنى للترسيم والتنقيب.
يعتبر «حزب الله» ان قرار توتال وقف التنقيب في لبنان لم يكن سببه عدم وجود غاز وانما نتيجة قرار سياسي، وباعتقاده اذا نقبت اسرائيل فهل ستتقدم الشركات للتنقيب في لبنان فيما هي شركات تابعة لأميركا. المطلوب من وجهة نظر «حزب الله» تحصيل حق لبنان في استثمار نفطه ولو عن طريق التهديد بالحرب او شنها اذا لم ينل لبنان حقه. ولكن اذا سلم الاسرائيلي بحق لبنان فلماذا تقع الحرب؟ بالوقائع فان احتمالات وقوع الحرب متساوية لاحتمالات عدم وقوعها، ولكن اسرائيل ذاتها لا تريد الحرب لعلمها بقدرة المقاومة وحاجتها هي ايضاً الى استخراج الغاز، والحرب تعني ان التنقيب سيصبح في خبر كان وان الشركات ستكون حركتها مقيدة. اسرائيل التي تريد الغاز لن تذهب الى الحرب حكماً. وليس افضل حالاً منها اميركا التي لا تبدو جاهزة هي ايضاً للحرب وهي بالكاد تبحث عن مخرج للحرب الاوكرانية فكيف تدخل حرباً جديدة في منطقة الشرق الاوسط؟ هذا فضلاً عن الاجواء داخل اسرائيل في ظل حكومة تصريف الاعمال التي قد تجعل قرار الحرب صعباً على الجانب الاسرائيلي.