IMLebanon

الترسيم بين الجنوب والشمال

 

ليس ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل عملاً عادياً، وليس التفاوض في شأن هذا الموضوع أكان مباشراً أم غير مباشر هو تفاوض عادي، فلا بد من الاعتراف أن ما يجري هو خطوة متقدمة في المزيد من تغيير الواقع نحو الأفضل عند الحدود الجنوبية للبنان، وهي فرصة يجب على الدولة اللبنانية أن تلتقطها من أجل تعزيز وجودها ودورها هناك، وأن تثبت للعالم أنها تمسك بزمام الأمور في البر والبحر والجو.

 

في الشكل ستختلف مفاوضات الترسيم البحري عن اللقاءات العسكرية المتعلقة بتطبيق القرار 1701 وخروقاته، وستكون تركيبة الوفود مختلفة وستحضر الرعاية الأميركية، أما في المضمون فالمحادثات مختلفة كلياً عما كان يجري نقاشه في اجتماعات الناقورة، فالمحادثات او المفاوضات ستؤسس لواقع تاريخي معترف به من كل دول العالم ولا سيما من قبل الدولتين المعنيتين أي لبنان وإسرائيل، وستكون هناك وثائق مصادق عليها من الجانبين موجودة في المؤسسات الرسمية المعنية للبلدين.

 

هذه النتيجة ستتيح للبنان أن يستكشف فعلياً الثروات النفطية والغازية الموجودة تحت سطح البحر، ويقول بعض المتابعين للقضية إن هذا الأمر لم يكن متاحاً لولا هذا الترسيم، رغم كل الصراخ الذي كنا نسمعه عن أن إسرائيل لن يُسمح لها باستغلال النفط والغاز من جهتها إن لم يستغل لبنان ثرواته، وعلى وقع هذا الصراخ إستخرجت إسرائيل الغاز في شكل خاص وعقدت اتفاقات بمليارات الدولارات مع دول مجاورة لها من أجل تصديره.

 

الترسيم البحري في حال نجاحه سينسحب أيضاً نجاحاً على الترسيم البري في نقاط التحفظ الـ13 عند الخط الأزرق، ما سيفرض المزيد من الالتزام بالقرار 1701 من قبل الجانبين اللبناني والاسرائيلي، ويفترض بالجانب اللبناني أن يدرك أن المفاوضات المتاحة أمامه اليوم هي فرصة لإثارة موضوع الخروقات الإسرائيلية المتواصلة ولا سيما الجوية منها، والبحث في كيفية إنهائها لأنها تشكل مع غيرها من العوامل من الجانبين وسيلة للتوترات، ولن يتردد الجانب الإسرائيلي في إثارة مسألة سلاح “حزب الله” ولا سيما موضوع الصواريخ مدعوماً من الجانب الأميركي.

 

إستكمال ترسيم الحدود البحرية والبرية مع إسرائيل، لا بد وأن يفتح على مصراعيه مسألة ترسيم الحدود البرية والبحرية مع سوريا، فمن حق لبنان أن ينهي اللغط القائم في شأن مزارع شبعا المحتلة وما اذا هي لبنانية أم سورية، وكيف السبيل لاستعادتها من الإسرائيليين بعد مضي 20 عاماً على إعلان “حزب الله” أنه سيحررها من خلال المقاومة، كما من حق لبنان أن يحدد المنطقة الاقتصادية البحرية الخالصة في الشمال من خلال ترسيم الحدود البحرية مع سوريا، لا سيما وأن بلوكات في الشمال مطروحة في دورة التراخيص الثانية وقد لا تحظى باهتمامات الشركات النفطية إذا كان الترسيم لم يحصل بعد، فالمشكلة عندها ستكون مع السوري وربما مع التركي أيضاً والقبرصي بشقيه التركي واليوناني.

 

بين لبنان وإسرائيل لعبت وتلعب الأمم المتحدة والولايات المتحدة أدواراً في ترسيم الخط الأزرق والحدود البحرية، أما مع سوريا فمسألة ترسيم الحدود تشبه الخطيئة بالنسبة لبعض اللبنانيين وبالنسبة للنظام السوري أيضاً. وانطلاقاً من هذا الواقع لا تبدو السلطة في لبنان ولا النظام في سوريا مستعجلين على الترسيم، فهما يدركان أنه متى انفجرت المشكلة بين الجانبين ستظهر الحقائق المُرة التي طالما حاول كثيرون تغطيتها بكلام وشعارات فارغة.