Site icon IMLebanon

الترسيم البحري: واشنطن تريد حلاً قبل انتهاء ولاية عون هوكشتاين عائد بصيغة «الحساب المشترك»؟

تعتقد الإدارة الأميركية، على ما يبدو، بأن الطرفين المعنيين بترسيم الحدود البحرية مع فلسطين المحتلة باتا «جاهزين»: لبنان منهك ويشكل استخراج النفط «الباب الوحيد» لخروجه من أزمته، والعدو مستعجل لبدء التنقيب لولا الخشية من عنصر القوة اللبناني المتمثل بالمقاومة. عليه تبدأ نائبة وزير الخارجية الأميركي من بيروت اليوم التمهيد لعودة الجميع إلى الطاولة
في سياق «زحمة» الموفدين الدوليين الذين يزورون لبنان، بعد نحو شهر من تشكيل الحكومة، تصل إلى بيروت فجر اليوم نائبة وزير الخارجية الأميركي فيكتوريا نولاند على رأس وفد يضم مسؤولاً رفيعاً في الخزانة الأميركية، المسؤولة عادة عن فرض العقوبات.

بعيداً عن الحديث عن عودة الاهتمام الدولي بلبنان، ولو من باب تشديد الموفدين على أهمية أن تنجز الحكومة الإصلاحات المطلوبة منها، كمقدمة لأي مساعدات مالية، تكتسي زيارة نولاند، وهي المسؤول الأميركي الأرفع في إدارة بايدن الذي يزور لبنان، أهمية خاصة. إذ تأتي مباشرة بعد زيارة وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان لبيروت الأسبوع الماضي، في خطوة تظهر كرد على ما تقوم به إيران وحلفاؤها. حتى صار بالإمكان القول إن المبادرات الأميركية تسير وفق الإيقاع الإيراني.
وفي هذا السياق، تشير معلومات «الأخبار» إلى إن نولاند قد تطرح تمويل مشاريع إنمائية وكهربائية بعد العرض الإيراني ببناء معملين لإنتاج الطاقة، تماماً كما حدث لدى مسارعة السفيرة الأميركية دوروثي شيا إلى إعلان موافقة بلادها على استجرار الغاز المصري والكهرباء الأردنية بعد إعلان حزب الله عن استقدام باخرة المازوت الإيراني الأولى.
على أن أهم ما في زيارة نولاند هو ملف ترسيم الحدود البحرية مع فلسطين المحتلة، والتمهيد لزيارة يقوم بها في وقت لاحق هذا الشهر لبيروت، المستشار الأول في الخارجية الأميركية لشؤون الطاقة آموس هوكشتاين، الذي عُيّن أخيراً رئيساً للوفد الأميركي إلى المفاوضات غير المباشرة للترسيم بدلاً من جون ديروشيه. وعودة هوكشتاين إلى تسلم الملف الذي كان يعمل فيه قبل عام 2008، على رغم الالتباس الذي يثيره حمله للجنسية الإسرائيلية وخدمته في جيش العدو، مؤشر قوي إلى أن الإدارة الأميركية وضعت هذا الملف على نار حامية. إذ إن هوكشتاين من المقربين من الرئيس الأميركي جو بايدن، وعمل سابقاً مستشاراً له في مجال الطاقة الدولية، كما أنه، بحسب مصادر مطلعة، «متمكّن تماماً من البعدين السياسي والتقني لهذا الملف، وله علاقاته الواسعة في كل من لبنان وإسرائيل، وقادر على طرح مبادرة تخرج الأمور من عنق الزجاجة».
بحسب المصادر، يبدو الأميركيون مقتنعين بأن الأمور نضجت لدى جميع الأطراف من أجل إقفال هذا الملف.
لبنانياً، وبعيداً عما تردّد عن أن ملف الترسيم كان واحداً من بنود «التسوية الحكومية» التي سهّلت ولادة حكومة نجيب ميقاتي، فإن الحصار الأميركي المنهك والأزمة المعيشية الأسوأ في تاريخ البلد، يجعلان من إقرار الترسيم «الباب الوحيد» لاجتذاب الاستثمارات وتدفق المساعدات والاستدانة بضمانة ما في باطن الأرض. أضف إلى ذلك أن واشنطن مطمئنة إلى مواقف الـ«ترويكا» الرئاسية التي تريد حلاً لهذا الملف: فالرئيس ميشال عون يرى في الأمر إنجازاً ينهي به عهده، والرئيس نبيه بري هو من رعى وضع اتفاق – الإطار واعتبار الخط 29 (إضافة 1430 كلم إلى الـ 863 كلم) خطاً تفاوضياً لا حقوقياً يُمكن الانطلاق منه في المفاوضات، وصاحب مقولة «إذا حصّلنا الـ 863 كلم، فبيتنا بالقلعة»، فيما من المعروف أن ميقاتي يميل إلى تثبيت الخط 23 (الـ 863 كلم). أما في ما يتعلق بموقف قيادة الجيش، فإن التوافق السياسي كفيل بتوفير السلّم الذي ينزلها عن الشجرة التي تسلقتها بالمطالبة باعتماد الخط 29.

ستطرح نائبة وزير الخارجية الأميركي مشاريع إنمائية رداً على العرض الإيراني

أما على جبهة العدو، فالظاهر أن هناك رغبة في تحريك هذا الملف بعد نحو 6 أشهر من توقف المفاوضات من أجل إنهائه. وهم أعادوه إلى الواجهة مع إعلان شركة «هاليبرتون» الأميركية، الشهر الماضي، حصولها على ترخيص لبدء التنقيب عن الغاز والنفط في حقل «كاريش» المتداخل مع المنطقة المتنازع عليها. وفُهم من الإعلان أنه محاولة لجس نبض لبنان ودفعه للعودة إلى الطاولة، خصوصاً أن تل أبيب تعرف أن لبنان يرتكز إلى عنصر قوة يتمثل بتوازن الردع الذي أرسته المقاومة وقدرتها على الرد على أي استباحة للحدود البحرية. لذلك، يفضّل الإسرائيليون «التفاهم» على تسوية يعتقد الأميركيون بأنها قد تتضمن «تنازلاً ما»، ولكن «ليس الخط 29 بالتأكيد».
عودة هوكشتاين تعيد إحياء ما يسميه مسؤولون لبنانيون «طرح آموس» حول «الحساب المشترك». فالرجل هو صاحب اقتراح «إبقاء المنطقة المتنازع عليها على ما هي عليه، وتكليف شركة مختصة باستخراج النفط والغاز والعمل فيها، على أن توضع الأرباح في صندوق وتُقسّم لاحقاً باتفاق بين الجانبين برعاية أميركية». على أن التطورات في المنطقة، منذ وضع هذا الاقتراح موضع التداول، قد تتضمّن مقاربة جديدة، ترضى فيها الولايات المتحدة بتقاسم خريطة النفوذ على البلوكات اللبنانية بين مختلف الأطراف: البلوكات الجنوبية الغنية بالنفط والغاز تستثمر فيها شركات قطرية أو إماراتية، وضمناً شركات أميركية، وهو ما عبّر عنه هوكشتاين نفسه في تغريدة له نهاية العام الماضي عندما كتب أن «أدنوك (شركة بترول أبو ظبي الوطنية) يُمِكن أن تكون جزءاً أساسياً في حلّ النزاع البحري بينَ لبنان وإسرائيل، إذا ما أُعطيَت حصّة تشغيلية في البلوكات الحدودية بين الجانبين»، والبلوكات الوسطى لشركات أوروبية، والشمالية لشركات روسية، مع عدم استبعاد حل «الحساب المشترك» مع سوريا أيضاً في حال عدم التوصل إلى ترسيم سريع للحدود البحرية بين البلدين. ناهيك عن «عدم ممانعة» أميركية لمشاركة إيرانية في أعمال التنقيب، تحت العلم الروسي أو الأوروبي، خصوصاً إذا ما وصلت المفاوضات النووية بين واشنطن وطهران إلى خواتيم سعيدة.