واشنطن تُشكِّك في موقف حزب الله من الترسيم البحري وتربطه بالملف النووي
تشكّل الزيارة التي ينوي الرئيس الأميركي جون بادين القيام بها إلى المنطقة، بمحطتيها السعودية والإسرائيلية، منعطفا في الإقليم، بالنظر إلى طابعها الحسّاس ربطا بالمفاوضات القائمة في الملف النووي الإيراني، وبالتقاطع العربي – الإسرائيلي المتوجّس من أي إتفاق محتمل أميركي– إيراني.
ولا ريب أن مخرجات الزيارة الرئاسية الأميركية ستلفح فيما ستلفح لبنان الشاخص إلى مآل ترسيم حدوده البحرية، وقدرته على بدء إستخراج ثروته النفطية والغازية، بدءا من الحقول الجنوبية.
وتتوقع الدوار الرئاسية، في هذا السياق، انفراجا متدرجا وسريعا يتيح توقيع اتفاق ترسيم الحدود بحلول نهاية آب المقبل، بما يؤدي الى أن يضمن لبنان ثروته، والأهم حقه وقدرته على بدء الإستكشاف من ثمّ الإستخراج بلا أي فيتو إسرائيلي كما هو حاصل راهنا.
يُذكر أن شركة توتال سبق أن أعلمت صراحة المسؤولين اللبنانيين أنها إضطّرت الى التوقف عن أي عمليات استكشاف نتيجة تلقيها تهديدا إسرائيليا مباشرا.
ولا تتوسّع الدوائر الرئاسية في تناول المعطيات التي بحوزتها من أجل إضفاء هذه المسحة من التفاؤل الحدودي، لكن مصادر معنية تتحدث عن أفكار خلاقة من شأنها تسريع الحلول، من بينها تكليف شركة لتنفيذ عمليات الإستخراج في الحقول اللبنانية– الإسرائيلية المشتركة، وقانا هو إحداها، ولن يكون بالتأكيد المشترك الوحيد، بما يؤدي حكما الى تجاوز اللغط والنقاش الحاصل في مسألة الخطوط والحقوق.
هوكشتين لام المسؤولين اللبنانيين في زيارته الأخيرة بسبب استئخار استغلال الثروة الغازية
وتعوّل المصادر على ضم بايدن كبير المستشارين لشؤون أمن الطاقة العالمي آموس هوكستين الى وفده الرئاسي، وخصوصا في المحطة الإسرائيلية، لتزخيم عملية التفاوض الحدودي، الى جانب تدخل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لبيد، حاضّا على استئناف المساعي وعلى «تجنب أي عمل» من شأنه أن يهدد الثروة الغازية الكامنة في الحقول اللبنانية والإسرائيلية.
ولا ريب أن الأهمية الجيواستراتيجية للغاز في المتوسط زادت بما لا يمكن قياسه بما كان متعارفا عليه قبل الحرب الروسية – الأوكرانية التي أدت الى نشوء حاجة قصوى الى تنويع مصادر الغاز والى وضع خريطة جيوسياسية جديدة لمناطق التأثير، معطوفة على خريطة مستحدثة للأنابيب الناقلة من المتوسط الى أوروبا.
وسبق لهوكستين أن لام المسؤولين اللبنانيين في زيارته الأخيرة على استئخارهم استغلال الثروة الغازية، «إذ كان في استطاعتكم أن تكونوا في هذه الأيام أحد أبرز المستفيدين من الأزمة الروسية – الأوكرانية، تصدرون غازكم إلى مختلف الأصقاع الأوروبية».
لكن ملامح التفاؤل اللبناني لا تحجب أن ثمة في واشنطن من لا يزال مقتنعا بعدم وجود رغبة لبنانية جامعة بالتوصل إلى إتفاق حدودي مع إسرائيلي، وهو ما أبلغه مسؤول أميركي سابق الى «اللواء»، مشككا تحديدا بموقف حزب الله الذي برأيه «لا يزال يربط هذه المسألة بالملف النووي الإيراني، بمعنى أنه يريده ورقة من أوراق القوة الإيرانية، لإدراكه وطهران الحاجة الدولية الى إيجاد مصادر غاز جديدة وتوفير استقرار نسبي في المنطقة يتيح لأوروبا الإفادة من الغاز الإسرائيلي بدءا من الخريف المقبل (وهو الموعد المضروب لبدء الإستخراج من حقل كاريش)، وبالتأكيد قبل حلول فصل الشتاء». ويعزز المسؤول الأميركي السابق انطباعه التشاؤمي بالارتكاز على مجموعة أحداث، آخرها المسيّرات التي استخدمها الحزب أخيرا فوق كاريش، والتي هي برأيه «رسالة إيرانية واضحة المعالم الى تل أبيب وواشنطن على حد سواء».
في المقابل، يبدي مسؤولون لبنانيون ريبة من أن تكون إسرائيل تستخدم مسألة التفاوض مع لبنان لمجرّد تقطيع الوقت حتى أيلول، تاريخ جهوزية الإستخراج من كاريش، وعندها لن يعود لها إهتمام في أي تفاوض أو ووساطة أميركية. لذا يرى هؤلاء أنه لا بد من أن يثبّت لبنان من الآن كل أوراق القوة بلا استثناء من أجل استخدامها في الشهرين الفاصلين عن أيلول الإسرائيلي، بحيث لا يحلّ بدء الإستخراج من كاريش إلا ويكون لبنان قد ضمن حقه في بدء الإستكشاف في قانا، ولاحقا الاستخراج منها.