حماية الثروة النفطيّة تنسحب على حماية الاستخراج والتنقيب في المستقبل
عوامل مختلفة سهّلت مسار إتفاق الترسيم البحري، وتتوزع بين السياسة والاقتصاد واتفاق الضرورة، فمن الناحية الإقتصادية والمالية ليس هناك مجال للشك ان الانهيار الاقتصادي الكبير الذي وصفته التقارير الدولية بأنه أسوأ الانهيارات المالية في العالم، شكّل أحد الدوافع في اتجاه البحث عن حلول لاستثمار موارد لبنان البحرية.
أما سياسيا، فجملة عوامل دفعت في سبيل تسريع إنجاز الترسيم الذي يعتبر لبنان انه حصل فيه على كل مطالبه، فيما يعتبر “الإسرائيليون” ان اتفاق الترسيم حفظ ل “إسرائيل” أمنها وضمان الإستقرار على حدودها الجنوبية .
وبين السياسة والاقتصاد، لا يمكن القفز فوق الدور الذي لعبه حزب الله في ملف الترسيم وراء الخطوط الخلفية للسلطة التي أوكلت التفاوض لوفد سياسي تقني، فالتهديدات التي أطلقها حزب الله فعلت فعلها، وكان لها التأثير المباشر في جرّ العدو الإسرائيلي الى تنازلات عما يعتبره حقوقا نفطية خاصة له.
وعلى الرغم من عاصفة الانتقادات التي يثيرها أكثر من فريق في الداخل حول عدم كشف مضمون المقترحات الأميركية وتبادل الرسائل، او حول تخلي لبنان عن الخط ٢٩ وما يحكى عن تفاوض حتمته الظروف المالية والاقتصادية وما قيل عن إهداء الترسيم كجائزة للعهد قبل نهاية الولاية الرئاسية، وبانتظار ان تنجلي أكثر صورة الإتفاق الذي سيصبح قريبا جاهزا للتوقيع، يؤكد اكثر من فريق سياسي ان حزب الله ، مهما بالغ خصومه في الانتقاد ، أدى دورا محوريا في كواليس الترسيم، وله دور أساسي في حماية لبنان وثروته النفطية لأنه منع “الإسرائيلي” من استخراج الغاز قبل الحصول على ضمانات لاستخراج غاز لبنان ونفطه، وبالتالي، فان حماية الثروة النفطية تنسحب لاحقا على حماية عمليات الاستخراج والتنقيب والتصدير.
في ملف الترسيم بقي حزب الله في الخطوط الخلفية وراء الدولة اللبنانية ، وأحسن خطواته بالتهديدات لردع أي إعتداء على حقوق لبنان النفطية، وهو كعادته في التعاطي مع الأزمات المتلاحقة منذ الأزمات المتتالية التي حصلت منذ تشرين ٢٠١٩، فحزب الله دخل على خط الأزمات طارحا عدة مبادرات.
يتفق الباحثون السياسيون على ان حزب الله يحسن الإدارة الذاتية والتكيّف مع المتغيرات، حيث استطاع ان يضبط الساحة الشيعية على إيقاعه، وتجاوز قطوع ١٧ تشرين وانفجار مرفأ بيروت والانهيار ، فالحزب كما يقال يملك قرار كل شيىء مع حلفائه، ويمكنه التصرف بكل شيىء على المستويين السياسي والمالي والاقتصادي.
استطاع حزب المقاومة ان يمتص كل الأزمات من حوله، فأطلق الجهاد الزراعي والصناعي، وحاصر مشاكل بيئته قدر المستطاع، فأنشأ المخازن والسوبرماركات، وأقام شبكة أمان صحية واجتماعية وصولا الى ازمة المحروقات.
يتحدث خصوم حزب الله عن تقدمه سياسيا على غيره من القوى والأحزاب، فالسلطة مربكة ومشلولة، والقوى المسيحية مصابة بذهول التحلل السريع للدولة وتبدلات المشهد الإقليمي، فالتيار الوطني الحر يتحضر لمرحلة ما بعد ٣١ تشرين الأول ويحاول ان يحصّن وضعه والتقليل من تداعيات الأزمات عليه، وما تبقى من قيادات “المستقبل” محاصرة بالانكسارات السياسية، فيما يحاول النائب السابق وليد جنبلاط التموضع والنأي بالنفس عن العواصف، وتطلق معراب مسارا عشوائيا معارضا لا أحد يعرف الى أين سيصل.
القوى السياسية مربكة، وحزب الله يعرف كما يقول سياسي مسيحي، كيف يتعاطى مع الأزمات بخلاف القوى المسيحية المتصارعة حول كيفية الوصول الى كرسي بعبدا فقط، فحزب الله يأخذ من يريد الى حيث يريد مستفيدا من الأحداث الإقليمية، فاستطاع جر واشنطن ودول إقليمية لما لا يضر بلبنان ، وسيكون حاضرا كما يقول المتابعون لاطلاق مسارات المعالجة ، ومع انتهاء الترسيم سيعود الى ملفات الداخل لتفعيل عملية تأليف الحكومة والسير بمعادلة الرئيس التوافقي، بعدما أكد السيد حسن نصرالله رفض رئيس التحدي .