يبدو أن الوسيط الاميركي آموس هوكشتاين قد حصل على جواب نهائي من الدولة اللبنانية في ملف ترسيم الحدود البحرية. فقد تحقق الإنجاز وخرج الرؤساء الثلاثة بموقف موحد، الذي يفترض أن يكون قد استقاه الوسيط من رئيس الجمهورية ميشال عون، كونه صاحب حصرية التبليغ.
هذا ما كان قد صرح به الذين قابلوا هوكشتاين عشية اللقاء الرئاسي، من دون إغفالهم الإشادة بحكمة عون، وفي مقدمهم المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم الذي زار بلاد العم سام، ومهَّد لتحقيق هذا الإنجاز بهندسة تفاوضية برع فيها ليطمئن الوسيط الى موقف من يقف خلف الدولة، وتابع عملية إخراج الموقف الموحد وحصرية التبليغ العونية، من قصر بعبدا حتى لا ينشغل بال الثنائي الشيعي.
وهذا ما يجب أن يحصل في دولة سيدة حرة، ينص قانونها على إمساك رئيسها بصلاحية إبرام معاهدات من وزن ترسيم الحدود البحرية.
وهذا ما رسَّخه وزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الأعمال عبدالله بو حبيب، وتحديداً في النقطة المتعلقة بالسيادة، عندما طمأن اللبنانيين الى عدم وجوب قلق من اندلاع حرب، فقد صرح بأن «ليست هناك مؤشرات جدية من جانب اسرائيل وحزب الله الى وقوع حرب رغم التهديدات المتبادلة بين الطرفين، وهذا المعطى مبني على معلومات دقيقة من دوائر معنية».
جيد جدا… أكثر من ذلك… ممتاز. وهل هناك امتياز أكبر من تصريح وزير خارجيتنا بأن لا إسرائيل ولا «حزب الله» بصدد إعلان حرب؟
لكن أين ترسيم الحدود بين الدولة وجيشها الوطني، من جهة، وبين حزب مسلح خارج الشرعية يتباهى بأنه يتمول من إيران وأنه جندي في خدمة الولي الفقيه، من جهة ثانية؟؟
وهل يكفي تفاؤل بو حبيب بإمكان التوصل الى اتفاق في المفاوضات بين لبنان وإسرائيل؟
احياناً يبدو غبياً الاعتراض على استيلاء من يستقوي بالسلاح وحزبه على مقدرات الدولة وقرار الحرب والسلم فيها، ما دام مسؤولون في هذه الدولة لا يجدون مضاضة في بقاء لبنان كله من النهر الجنوبي الى رأس الناقورة مشاعاً لمن يطيب له ان يقطع ويصل في الشرع والدستور والقانون والميثاق، وحتى في الاقتصاد وفق مصلحة مشغله.
كيف لا؟؟ فمعروف لدى العدو الإسرائيلي ومعه الوسيط الأميركي والعالم بأسره أننا نعيش تحت رحمة الذي يقف خلف الدولة عندما يناسبه ذلك، ويمسح كلامه ووعوده وتعهداته مع تطورات تستدعي الانقلاب على ما كان لمصلحة مشغله. وهذا ما يحدد الخطوات المنشودة في مسألة الترسيم واستخراج الغاز والتهديدات والضغوط المرافقة للمفاوضات على هذا الأساس.
والمخزي أن ما سوف يستجد إذا ما وصلت المفاوضات إلى خواتيمها بإيجابية وأبرمت المعاهدة. حينها ستبدأ إسرائيل بتصدير غازها إلى أوروبا وتجني الأرباح، في حين سيتفرج العالم على بازار مسؤولين لا يشبعون، يتخاصمون ويتناتشون الحصص قبل الشروع بتلزيم الشركات الخبيرة ما في باطن هذه الحدود من غاز وذهب أسود، حتى لو اقتضت المحاصصة دهراً.
وبما أن ماضي كل بشري هو مؤشر لمستقبله كما يشير علم النفس، يمكن التأكيد أن ضياع الثروة اللبنانية من النفط والغاز، تحصيل حاصل، ما دام القطع والوصل بشأنها في أيدي أصحاب الماضي الذين نعرفه ونعرفهم ولا لزوم لنعيد اكتشافهم.
وهذا جواب نهائي… لأن لا مكان للأوهام ما دامت المنظومة لا تزال مسيطرة بالنصف زائداً واحداً على مصيرنا.