Site icon IMLebanon

السؤال الصحيح: ماذا فعلت المقاومة… وليس ماذا ستفعل؟

 

 

في لبنان، حفلات المزايدات لا تتوقف. ليس بين المسؤولين أو الإعلاميين أو جيش منتحلي صفة الخبراء، من يدقّق فعلياً قبل إطلاق المواقف والتصريحات وحتى التصوّرات المستقبلية. ينسحب هذا الأمر على كل الملفات، لكن عندما يكون الحدث خطيراً وعلى مستوى الصراع مع دولة بحجم كيان الاحتلال، يصبح الأمر عبارة عن نكتة سمجة. ومن المفيد تذكير كثيرين من أركان الدولة ومؤسساتها، ومن سياسيّيها على اختلافهم، بأن ملف الصراع مع العدوّ لم يكن يوماً ملفاً حقيقياً في أدراج المسؤولين والسلطات اللبنانية. وحتى الجيش اللبناني مُنع على مدى عقود من تشكيل غرف رصد وتتبّع للعدوّ سياسياً وإعلامياً واقتصادياً وعسكرياً وأمنياً، خشية أن يؤدي الأمر الى إثارة غضب «العم سام». من دون «زعل»، المقاومة هي المؤسسة اللبنانية الوحيدة التي جعلت ملف العدو أولوية لها بكل تفاصيله بنداً بنداً. في السنوات العشرين الأخيرة، ليس في إسرائيل عنوان سياسي أو إعلامي أو اقتصادي أو عسكري أو مدني خارج مدار البحث والمتابعة من قبل المقاومة. وبمعزل عن الكلام الذي لا يقال تفصيلاً ولا يشار إليه إعلامياً، تملك المقاومة الإسلامية في لبنان جهازاً استخباريّاً متخصّصاً بالعدو فقط، ويكاد يحصي أنفاسه، سواء من المصادر المفتوحة أو المصادر الخاصة. والعدو نفسه يقرّ بأن المقاومة في لبنان لا تملك الإرادة فقط، بل أيضاً الإمكانات البشرية والتقنية وحتى التجسّسية التي تتيح لها دراسة الوضع في إسرائيل والوصول الى تقدير طريقة تصرّف المستويات العسكرية والسياسية مع الأحداث.

 

هذه المقدمة ضرورية قبل العودة الى ما يجري منذ يومين. صحيح أن الاستنفار اللبناني ضروري، ومن المفيد أن يكون أكثر حضوراً على مستوى القرار الذي يجب اتخاذه للتعامل مع مباشرة العدو خطوات تنفيذية تتعلّق بالتنقيب عن النفط في البحر، قبل معالجة نقاط الخلاف الجوهرية مع لبنان. لكن الأهم هو التدقيق في ما قام به العدو عملياً حتى الآن:

أولاً، طلب الرئيس ميشال عون، أول من أمس، من قيادة الجيش تزويده بالمعطيات التفصيلية حول موقع تموضع سفينة الحفر التي وصلت الى منطقة «كاريش». وجاء طلب عون من موقعه ليس كرئيس للجمهورية فحسب، بل كقائد أعلى للقوات المسلحة، وحاجته الى هذه المعطيات ليبني خطواته السياسية اللاحقة. وقد أفادته قيادة الجيش بأن سفينة الحفر لم تقترب من الحد المباشر لمنطقة النزاع.

 

 

ثانياً، تبيّن لمصادر المقاومة أن السفينة لم ترسُ حتى عند حدود الخط 29، أي أن العدو لم يذهب، من تلقاء نفسه، بعيداً في استفزاز لبنان. وهذا ليس وقوفاً عند خاطر المسؤولين السياسيين أو لأن دولة الاحتلال خضعت لضغط جدي من الأميركيين أو غيرهم. بل هو نتيجة توصية المستويات الأمنية والعسكرية التي حذّرت من أن الخطأ في التموضع يفتح الباب أمام احتمال المواجهة المباشرة مع حزب الله الذي يملك وسائط متنوعة تمكّنه ليس من استهداف المحطات العائمة فقط، بل تدمير كل جسم يتحرك في البحر ضمن خطة التنقيب.

ثالثاً، تبيّن أن الشركات الأجنبية التي تشارك في هذه العملية وُضعت مسبقاً في صورة واضحة حول التهديدات المحدقة بعملها وآلياتها، وهي لذلك اتفقت مسبقاً مع قيادة العدوّ على عدم التقدم صوب النقاط التي قد تجعلها عرضة لضربات لا يمكن أحداً أن يمنعها، بمن فيهم جيش الاحتلال، وتسير وفق خطة تمكّنها من إبلاغ لبنان أنها لا تخاطر في العمل ضمن منطقة لم يُحلّ الخلاف حولها.

 

وصل إلى قيادة الاحتلال أنّ حزب الله جِدّيٌّ إلى أبعد الحدود في التعامل مع الوقائع التي تحاول فرضها على الأرض

 

 

 

رابعاً، تبيّن من خلال متابعات جهات معنيّة، أنه وصل إلى قيادة الاحتلال، بطرق مختلفة، أن حزب الله جِدّي الى أبعد الحدود في التعامل مع الوقائع التي تحاول فرضها على الأرض. ولمس العدو أنه ليس صعباً أن تنجح المقاومة في انتزاع موقف رسمي لبناني يعارض التنقيب، وأن بمقدور المقاومة المبادرة ليس فقط الى منع التنقيب في المنطقة المتنازع عليها، بل أيضاً في أي منطقة، في حال تبيّن أن الأميركيين سيمنعون لبنان من التنقيب في مناطق بعيدة عن منطقة التنازع. وهو أمر فهمه العدوّ جيداً، وخصوصاً بعدما تلاحقت التوضيحات والتهديدات على لسان قيادات الحزب كافّةً، وخصوصاً أمينه العام السيد حسن نصر الله. كما يبني العدو تقديره استناداً الى ما يعلنه هو عبر مصادر إعلامية عن امتلاك الحزب وسائط متطورة جداً تتيح له الوصول الى أبعد هدف بحري ثابت أو متحرك في كل البحر المتوسط، وليس قبالة الساحل الفلسطيني فقط، وصولاً إلى البحر الأحمر.

عملياً، أنجزت المقاومة الجانب الأول من دورها في ردع العدو ومنعه من القيام بعمل استفزازي كبير. وهي إذ أعلنت جهوزيتها لعمل أكبر، تربط خطواتها بأمرين: الأول، ماهية الموقف النهائي للبنان، وهو أمر مرتبط بنتائج الاتصالات الجديدة الجارية مع الأميركيين. والثاني، مرتبط بمدى تورط العدو في خطوات غير مدروسة تجعل المواجهة أمراً واقعاً. وفي الحالة الثانية، ستكتفي المقاومة بإشعار رسمي لبناني بأن إسرائيل تعتدي على حقوق لبنان حتى تبادر الى ما تعتقد أنه الأنسب لمنع العدو من العمل بحراً، وربما أكثر من ذلك.

 

ما يكابر كثيرون حياله لم يعد ينفع في مواجهات من هذا الحجم، وكل المزايدات القائمة على خلفية طموحات سياسية لهذا الفريق أو ذاك، لا تغيّر في حقيقة أن العدو ينظر الى موقف المقاومة أولاً وأخيراً، وأن هذه المقاومة تملك من الحكمة والقدرة والفهم ما يجعلها تبادر حيث وحين يجب!