Site icon IMLebanon

“كاريش” يقود المنطقة إلى ستاتيكو جديد؟

 

اياً كانت النتائج المتوقعة لزيارة الوسيط الاميركي في المفاوضات لترسيم الحدود البحرية عاموس هوكشتاين، فإنّها لن تكون حاسمة، ذلك ان ليس لدى لبنان الجهوزية لتقديم ما يرضيه ويلبّي مطالبه. ولذلك، فإنّ المرحلة ستشهد مزيداً من شدّ الحبال المنصوبة على خطوط التوتر العالي، بعدما باتت مربوطة ما بين «كاريش» وملفات إقليمية ودولية، أبرزها الملف النووي الايراني ومصير خطوط الطاقة البديلة من الغاز الروسي. وعليه، ما هو «الستاتيكو» الجديد المتوقّع؟

تعتقد مراجع ديبلوماسية وسياسية، انّ زيارة هوكشتاين لبيروت المتوقّعة مطلع الأسبوع المقبل، ستزيد من نسبة التوتر على الساحة الداخلية. فالطروحات المتناقضة، من خطوط الترسيم البحري وعدم التوافق على أي منها، سترفع من حدّة الخطاب السياسي، بعدما أفرزت المواقف بين أهل الحكم وبين المعارضين، لتجاهلهم الاقتراحات الخاصة بتعديل المرسوم 6433، وهو ما سيزيد من حجم المواجهات الداخلية، وخصوصاً انّها ستكون على تماسٍ مع دخول البلاد في مدار استحقاقات دستورية بالغة الدقّة، وأبرزها التحضير للاستشارات النيابية الملزمة التي سيدعو إليها رئيس الجمهورية، لتسمية من يُكلّف بتشكيل الحكومة، ما سيؤدي إلى مزيد من التخبّط على الساحة السياسية، في وقت ارتفعت التحدّيات الإدارية والمالية مع دخول الإدارة العامة الإضراب المفتوح احتجاجاً على الفشل في مواجهة المعضلات المالية والنقدية، والعجز عن الحدّ من ارتفاع أسعار الخدمات العامة وفقدان أخرى.

 

وانطلاقاً من هذه المعادلة، رفع خطاب الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله من حدّة المواجهة المنتظرة على الساحة الداخلية، بعدما استبق زيارة الموفد الاميركي بتوجيه الدعوة المزدوجة التي وجّهها الى الشركة البريطانية ـ اليونانية المستثمرة للحقل النفطي، وإلى الحكومة الاسرائيلية، لوقف التحضيرات الجارية، تمهيداً لاستخراج الغاز من حقل «كاريش»، بمعزل عن إحداثيات تمركز الباخرة «انيرجين باور» إلى الجهة الجنوبية من الخط 29، أي الجهة الفلسطينية المحتلة أو الجهة الشمالية في اتجاه المنطقة المتنازع عليها مع لبنان.

 

وعليه، فإنّ التمعن في خلفيات ما يجري وما يمكن ان تحمله الايام القليلة المقبلة من تطورات، يفرضان إجراء القراءة الهادئة لما فرضته التطورات الاخيرة في المنطقة، وما توحي به لجهة التحوّلات التي يمكن ان تقود الى بداية تكوين «ستاتيكو» جديد، يجبر الأطراف المعنية على التكيّف معه وتجميع القوى والإمكانات لمقتضيات المواجهة المنتظرة على أكثر من مستوى. فالجميع يدرك انّ المنطقة تعيش وضعاً غير مستقر ومعها العالم، نتيجة التداعيات التي عكسها الغزو الروسي لأوكرانيا، وخصوصاً في أسواق الغاز والنفط وكل أنواع الحبوب، بما فيها القمح والذرة، والتي أثّرت في نقص المنتجات الغذائية الزراعية كالزيوت وغيرها.

 

وبمعزل عن التفاوت في حجم الأزمات التي تعيشها بعض الدول قياساً على قدراتها الاقتصادية، لا يختلف اثنان على انّ لبنان هو اليوم في الموقع الاكثر ضعفاً من بين الدول المتأثرة بما يجري. ولذلك، فهو يعيش فوق صفيح ساخن، متأثراً بما آلت اليه المعالجات الجارية للملفات الاقليمية والدولية، ويدفع أثماناً باهظة للفشل الاقليمي والدولي في طي أي منها للتخفيف من وهجها. وعليه، فقد جاء ملف الترسيم البحري ليزيد في الطين بلّة. إذ بات مرتبطاً بنحوٍ ما مع كل هذه الأزمات وتفاعلاتها السلبية.

 

وإن كان صحيحاً انّ الموقف الذي أطلقه السيد نصرالله له خلفياته الاقليمية والدولية ربطاً بالتوجّهات الإيرانية التي تخوض اقسى المواجهات مع أطراف عدة، من فيينا الى مفاوضات بغداد مع المملكة العربية السعودية، فإنّ ذلك سيؤدي الى ربط نزاع جديد يؤسّس لحرب باردة. ففي القراءة الجيو – سياسية يمكن ان تتحول نقطة تمركز الباخرة «انيرجين باور» تلقائياً «مزارع شبعا» جديدة بحرية، تشكّل آلية لربط مصير سلاحه بالمزارع البرية والبحرية معاً، في ظلّ التعقيدات المحيطة بهما والتي تبقيها محطة نزيف دائم.

 

وما يعزز هذا الاعتقاد، انّ نصرالله ربط موقف الحزب بالموقف الرسمي من المفاوضات، وأنّه سيكون من خلفه. ولكنه لم يقل علناً مع أي جهة رسمية هو. فهل هو مع القائلين بالفصل بين خطي التفاوض 29 والرسمي المعترف به في دوائر الأمم المتحدة 23؟ وهل سيكون إلى جانب حلفائه الداعين إلى تعديل المرسوم 6433 في أسرع وقت ممكن وقبل وصول الموفد الاميركي مطلع الأسبوع المقبل، لتكريس الخط 29 حدوداً بحرية رسمية للمنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان وتسجيله في الأمم المتحدة؟ وهل هو يشارك أهل الحكم والحكومة في النظرة إلى هذا الاقتراح ويشاركهم المخاوف من انّ هذا التعديل للمرسوم يؤدي إلى وقف فوري للمفاوضات غير المباشرة وتعليقاً للوساطة الاميركية إلى موعد لا يمكن لأحد تقديره؟

 

وبناءً على ما تقدّم، تبدو الأمور مربكة إلى حدّ كبير. ولا يبدو في الأفق انّ شيئاً يمكن ان يتغّير في الفترة القصيرة الفاصلة عن وصول هوكشتاين الى بيروت، وهو ما يفرض الإقرار بأنّ الأمور تتجّه إلى مزيد من التعقيد، في وقت يعتقد الموفد الاميركي انّه بتلبيته دعوة لبنان العاجلة، غير مهتم بما يدور في الكواليس اللبنانية من «جدل بيزنطي». فما يطالب به واضح وصريح مع التشديد على انّ المنطقة لا تتحمّل أي توتر أمني. فالإدارة الاميركية تحدثت بالتزامن مع إعطاء هوكشتاين الإذن المسبق للسفر إلى المنطقة، عن حاجة العالم وحلفائها الأوروبيين إلى غاز المتوسط قبل فصل الشتاء المقبل، تعويضاً عن النقص الناجم عن العقوبات المفروضة على روسيا، وهي تتحدث تحديداً عن الغاز المُكتشف في شرق المتوسط، لاستغلال خطوط النقل المشتركة بين إسرائيل ومصر وقبرص في اتجاه أوروبا .

 

لذلك كله، ولأسباب أخرى متشعبة، فإنّه لا يمكن الفصل عند الحديث عن أي عملية عسكرية ما بين توقيتها وشكلها ومضمونها، والتحضيرات الجارية لعملية عسكرية تركية في الشمال السوري، إن أقدمت انقرة على ما تهدّد به، مستفيدة من انشغال الروس في يوميات الحرب في أوكرانيا والمواجهات الصامتة بين موسكو وطهران على الأراضي السورية، حيث تنتشر قوى الطرفين وحلفائهما. وكل ذلك يجري على وقع الفشل في إحياء مفاوضات فيينا، والتحذيرات الاوروبية والأممية والاتهامات الدولية والأممية الموجّهة لإيران بما بلغته نسبة تخصيب اليورانيوم في منشآتها السرية والعلنية الخاضعة للمراقبة، إلى ما يقترب من إمكان الانتقال الى مرحلة انتاج السلاح النووي، وهو أمر يُقلق تل أبيب وواشنطن وعواصم اخرى هي على تماس مباشر مع عملية ترسيم الحدود البحرية في جنوب لبنان.

 

وبناءً على ما تقدّم، ستثبت تطورات الايام المقبلة اننا على أبواب «ستاتيكو» جديد في جنوب لبنان، وسيكون جزءاً من مشهد أكبر يجري التأسيس له في المنطقة، يُبنى على التحولات الجديدة. ولا يحول دونه سوى التفاهم على معادلة جديدة توفّر الحدّ الأدنى المطلوب من حقوق لبنان، وسط عدد من السيناريوهات المتناقضة التي تنحو أكثريتها إلى السلبية، فيتوقف الرقص فوق الخطوط البحرية وأرقامها، لتستقر عملية التقاسم على مكامن الثروات في عمق البحر.