تتميز بلدية جديدة مرجعيون عن غيرها من البلديات المسيحية في القضاء، كونها الوحيدة التي ظلت مستمرة كامل ولاية المجالس البلدية، بينما شهدت بلديات القرى المسيحية الأخرى، مثل القليعة وبرج الملوك وإبل السقي ودير ميماس، صراعات عائلية وسياسية «مقيتة» دفعت بها إلى استقالات جماعية ثم انحلال عقودها، فيما شلّت الصراعات بلدية دير ميماس وعطّلت دورها، وإن بقيت من دون استقالة.
قبل العهد البلدي الأخير، مرت بلدية جديدة مرجعيون بظروف مشابهة، فعانت من صراع «الديكة» في داخلها، ما دفع ثمانية من أعضائها إلى استقالة جماعية عام 2008، ما أدى لاحقاً إلى انحلالها بقرار من وزير الداخلية، في حينه، المحامي زياد بارود.
لا معركة انتخابية من حيث المضمون في جديدة مرجعيون، خصوصاً بعدما أنهى الرئيس الأخير للبلدية رجل الأعمال أمال الحوراني تركيب لائحة مكتملة كادت أن تفوز بالتزكية، لولا إصرار المرشح المستقل الوحيد عماد ديبه على ترشحه. ويتدخل أكثر من طرف لثنيه عن قراره وتأمين التزكية للائحة المكتملة.
لم يسبق لعاصمة القضاء أن عاشت فتوراً انتخابيا بلديا. كانت تتشكل فيها، (على الأقل منذ التحرير في سنة 2000) أكثر من لائحة مكتملة أو غير مكتملة لتجعل البلدة تعيش التنافس والاتصالات واللقاءات والمشاورات، وتدفع بالغائبين والمهاجرين إلى العودة للمشاركة في العملية الديموقراطية.
إبل السقي
لا يبلغ عمر بلدية إبل السقي عمر غيرها من بلديات قضاء مرجعيون، إذ تأجلت انتخاباتها حتى سنة 2012 بعد مقاطعة درزية وانسحابات جماعية عشية إجراء الانتخابات في سنة 2010.
تتشكل بلدية إبل السقي من مناصفة مسيحية ودرزية، وظل العرف في البلدية المقتصرة على 12 عضواً يقضي بأن تكون الرئاسة فيها للمسيحيين، لكن ما زاد من مشكلة الاتفاق أن الرقم المزدوج ألغي، أخيراً، بقرار من وزارة الداخلية وصار مفرداً من 15 عضواً.
بلغ عدد المرشحين المسيحيين هذه الدورة الانتخابية 20 مرشحاً فيما رشّح الفريق «الدرزي» 13 مرشحاً. لم تتوافق الأطراف السياسية والعائلات في القرية «النموذجية» على لائحة واحدة، إذ يطالب «الدروز» بتعويض «غبن» طويل العهد والأمد، وأن يكونوا مشاركين في القرار، أو أن يكون القرار بيدهم، بما أن الرئاسة ليست لهم. وعليه فقد رفعوا مشروع لائحة توافقية تتشكل من ثمانية دروز وسبعة مسيحيين، أو أن تكون الرئاسة مناصفة. هذا الأمر وجد رفضاً سريعاً، لا سيما من كتلة اليساريين والشيوعيين في البلدة التي طرحت أن يقدم كل طرف سبعة مرشحين ويترك للأهالي خيار انتخاب العضو الرقم 15، وفي ظل عدم حماسة «الدروز» للرئاسة المداورة، وتفضيلهم نيل الأكثرية في المجلس.
إذاً، البلدة أمام معضلة «خطيرة» قد تودي بانتخاباتها مرة ثانية أو بلوائح «طائفية» لن يكتب معها النجاح لبلدية تستبعد فيها طائفةٌ طائفةً أخرى. أما الحجم العددي للمرشحين المسيحيين وقد استقر على عشرين بعد انسحاب أحدهم، فمرده إلى كتلة مسيحية أخرى تتألف من القوميين و «يمينيين» سابقين، وعلى تناقض الكتلتين المسيحيتين يفاوض «الدروز».
لم تكن المرة الأولى التي تستقيل فيها البلدية الأخيرة في إبل السقي، أو يستقيل معظم أعضائها، فهي منذ التحرير في سنة 2000 تعيش اضطراباً بلدياً، أدى إلى عرقلة «التطور» الإنمائي والخدماتي في القرية التي كانت تعتبر نموذجية في فترة الاحتلال، إذ كانت تشكل العاصمة الثانية لقوات الطوارئ الدولية بعد الناقورة، وكانت تتمركز فيها الكتيبة النروجية التي ساهمت في تطورها وإنمائها على مختلف الصعد. وفي كل مرة تستقيل بلديتها يفوض القائمقام بأمورها ومشاريعها فتغيب الخدمات والتنمية.
القليعة
أما المعركة «الشرسة» و «المتكافئة»، فهي في بلدة القليعة، جارة مرجعيون وبرج الملوك. وما يجعل المعركة ساخنة هو الخلاف الذي بدأ في بلديتها الأخيرة والذي أفضى إلى الاستقالة وحل المجلس، بالإضافة إلى التنافس الكبير بين زعماء عائلاتها «البرجوازيين» و «الأمنيين» الذي تنقسم خلفهم عائلات البلدة. وتتميز القليعة بكثافة سكانها المقيمين عكس مثيلاتها جديدة مرجعيون وبرج الملوك ودير ميماس التي تعاني من اغتراب عائلي أو هجرة و «تهجير».
أنهى حنا ضاهر الذي كان يتقاسم البلدية الأخيرة مداورة مع شفيق ونّا تركيب لائحته الكاملة من رموز عائلية تتلطى خلفها رموز حزبية مختلفة. وتوحد بسام الحاصباني و «المتعهد» المعروف حنا الخوري (الداموري) بلائحة مكتملة. وللحاصباني والخوري علاقات وطيدة مع أجهزة أمنية لبنانية وحزبية ايضاً. وخلفهما تصطف عائلات و «قوى» من هنا وهناك. ومنذ اليوم تسعى اللائحتان إلى شد العصب العائلي للفوز واستلام دفة الأمور.
دير ميماس
وفي دير ميماس، يمكن لاستمرار ترشح إيغور عودة أن يسحب من البلدية التزكية التي تم التوافق عليها، خصوصاً بعدما شكلت قواها الحزبية والاجتماعية لائحة كاملة من 15 عضواً، تتوزع الرئاسة فيها مداورة بين الطبيب الشيوعي جورج نكد وكامل موسى القريب من الحزب السوري القومي الاجتماعي. ويقوم الرئيس الأسبق للبلدية، رجل الأعمال كامل مرقص، باتصالات حثيثة لثني عودة عن الترشح وسحب ترشيحه قبل منتصف السبت المقبل، ليعلن قائمقام مرجعيون فوز بلدية دير ميماس بالتزكية.
وتتوجه برج الملوك الواقعة بين القليعة ودير ميماس إلى تنافس بين لائحتين عائليتين ومن حزبيين، حيث منع تناكف أعضائها سابقاً استمرار بلديتها، فاستقالت وتسلم قائمام مرجعيون وسام الحايك زمام أمورها.