لا شيء في واشنطن وطهران يتقدم على الانخراط في أكبر عملية تسويق للصفقة النووية التي وصفت بأنها جيدة. وهي عملية تدار على أعلى المستويات، وتحتاج الى كل ما في الترسانة الأميركية والترسانة الايرانية من حجج استراتيجية وتاكتيكية وأسلحة وطنية وسياسية وتقنية تبرع في استخدامها آلة الدعاية الهائلة. ولعل قمة البراعة في تسويق صفقة بعد ٣٦ عاماً من العداء هي الايحاء أن العملية هي تفاوض من جديد على الهواء. لا بل التركيز على أن ما حدث في المفاوضات خلال ١٨ شهراً لم يضع نقطة في نهاية السطر النووي، وإن لم يحدث هو ما سيحدث في الجولات المقبلة.
ذلك أن عملية التسويق تحركت من البداية على أربعة خطوط. الخط الأول هو التفاهم على السماح باللعب على سوء التفاهم عبر لجوء كل طرف الى ترجمة مختلفة لبنود الاتفاق ولما تنازل عنه وما تمسك به وحصل عليه. والثاني هو الاصرار على القول ان التفاوض اقتصر على الملف النووي من دون ربطه بأي ملف آخر على صعيد النظام الاقليمي والأدوار والحصص فيه ومصير الحروب المشتعلة في سوريا والعراق واليمن والأزمة السياسية الخطيرة في لبنان. والثالث هو تصوير الانتقال من اتفاق اطار في لوزان الى الاتفاق النهائي في غضون أشهر بأنه معركة تفاصيل تقنية مهمة، حيث تركز واشنطن على التدرج في رفع العقوبات والحزم في تنفيذ التزامات ايران التقنية، وتركز طهران على استمرارية البرنامج النووي ورفع العقوبات دفعة واحدة يوم توقيع الاتفاق، وإلا لن نوقع اتفاقاً. والرابع هو تلويح المرشد الأعلى علي خامنئي بأن التوصل الى اتفاق نهائي ليس مضموناً.
لكن المسألة، خارج عملية التسوية، هي الخيار السياسي الذي قاد الى الصفقة النووية. فمنذ بدء المفاوضات وخلال تعثرها طرح الخبير الأميركي من أصل ايراني كريم سادجابور سؤالاً مهماً جداً: كيف يمكن ايجاد حل تقني لصراع سياسي؟. وعندما وصلت المفاوضات الى مراحلها الأخيرة حرص الطرفان على القول ان الاتفاق تم على القضايا التقنية، وبقيت الحاجة الى ارادة وقرارات سياسية. لكن كل طرف طلب القرار السياسي من الطرف الآخر. ولولا التقاء الارادة السياسية لدى الطرفين الأميركي والايراني لما جرى الاعلان المشترك عن اتفاق اطار هو أولاً اتفاق سياسي وثانياً اتفاق تقني.
وبكلام آخر، فإن التفاصيل التقنية المتروكة للاتفاق النهائي بحلول الثلاثين من حزيران ليست من النوع الذي يعرقل اتفاقاً سياسياً بين أميركا وايران وضع المنطقة كلها في مسار جديد. واذا لم يكتمل الاتفاق، فإن السبب هو صعوبة تسويقه في الداخل، وتعثر التفاهم على النظام الاقليمي.