IMLebanon

الجسم الماروني وعلماء بغداد

يتوقّف علماء السياسة والإجتماع بشيء من الغرابة حيال الجسم الماروني القيادي، ويتساءلون عما إذا كان هذا الجسم يتمتع بصحّة طبيعية، أو هو منتفخ بفعل الورم نتيجة حدَثٍ جيولوجي طارئ.

ويربط هؤلاء العلماء بين أبرز زعيمين مارونيين منذ الإستقلال، وبين زعيمين مارونيين منذ نهاية حرب 1975 حتى اليوم.

وفي المقارنة يتبيّن، أن الرئيس كميل شمعون بوَهْجِهِ الماروني البرّاق وعقله السياسي الخلاّق، لم يستطع أن يؤمن كتلة نيابية تتخطى أصابع اليد.

وأن الشيخ بيار الجميّل بقامته المارونية الشمّاء وخصائص شخصيته العصماء، وبحزبه الذي كاد يلامس المئة ألف منتسب، لم يستطع في أعلى قمم العزّ، أن يؤمَّن كتلة نيابية بعدد أصابع اليدين.

هذا، إذا استثنينا الرئيس فؤاد شهاب صاحب انجازات دولة المؤسسات، والعميد ريمون إده صاحب الشخصية التشريعية والمواقف الجريئة، فلا الرئيس شهاب حقق انتصاراً نيابياً في منطقة كسروان، ولا العميد إده حقق هذا الإنتصار في منطقة جبيل.

في المقابل: تفوّق ميشال عون بحجمه النيابي وفي مدى زمني خاطف، على الشيخ بيار الجميل بأكبر نسبة نيابية تاريخية، بالرغم من مسيرة النضال الوطني والإستقلالي التي رصّعتْ حياة الشيخ بيار وحزبه.

وفي غفلة من الزمن، تخطىّ الدكتور سمير جعجع ما حقّقه الرئيس كميل شمعون بالرغم من التفاوت الصارخ بين الرجلين على المستوى الشخصي والتاريخي، وبما حققه الرئيس شمعون من تألّق في المجال الوطني والإستقلالي والسياسي والعالمي.

في تاريخ الأمم، لم تكن الزعامات التاريخية طيوراً مهاجرة ترفرف على الشعوب من الفلك الأعلى، التاريخ له عيون تراقب حركة الكون والبشر، وترصد مسيرة القادة والزعماء والأسياد والأقطاب.

لم يمنع التاريخ، من أن يتصدّر الأممَ زعماء وقياديون وأباطرة وسلاطين، إلا أنه كان يدوّن سيرتهم ومسيرتهم على صفحاته، ما كتبه التاريخ عن نيرون وهتلر وموسوليني وستالين، ليس ذاك الذي سجّله عن غاندي وديغول وأبراهم لنكولن محرر العبيد، والأمير فخر الدين محرر لبنان.

ولم يمنع التاريخ الأمبراطور الروماني كاليغولا من أن يعيّن حصانه قنصلاً ثم كاهناً، حتى قيل له: إذا كنت مصراً على إهانة أهل الأرض فليس من الضروري أن توجّه الإهانة الى أهل السماء.

هذا يعني أننا لا نستطيع أن نبدّد غرابة علماء السياسية والإجتماع، وأن نروي جشع تَوْقهم الى معرفة ما إذا كان الجسم الماروني يتمتع بصحّة طبيعية معافاة، أو هو جسم منتفخ بفعل الورم، تاركين ذلك لحكم التاريخ.

بل، لعل أبرز ما نستطيع قوله لهؤلاء العلماء هو الإستئناس بعلماء بغداد بعد أن دخلها هولاكو، وقد أصدروا فتوى تقول: «إنّ الكافر الكافر أفضل من المسلم الجائر…»