في الأمس كان الموارنة ينتظمون داخل مؤسسات خصّبت الزمان والمكان وأبدعوا على مستوى لبنان وعالم الإنتشار، في الأمس كانتْ لهم مؤسسات وطنية ثقافية دينية، وكانتْ لهم إمتيازات جمّة، في الأمس كانوا أكثر من طائفة في حجم وطن والعالم، في الأمس كانت لهم شعائرهم ومواقفهم وبطولاتهم ووطنيتهم اللامزيّفة، في الأمس كانوا الرقم الصعب في المعادلة اللبنانية، أما اليوم فإنّهم خاسرون مشرّدون متخاصمون متلكئون.
في الأمس كانتْ لهم الكلمة الفصل في جمهورية 1920، أما اليوم فقد فقدوا حضورهم ودورهم الريادي الفاعل على مستوى لبنان وعالم الإنتشار، فقدوا التوازن الوطني، فقدوا اتزانهم الفكري الوطني، فقدوا صدقيتهم وباتوا مجموعات متناحرة متخاصمة متقاتلة. في الأمس كانوا في حجم العمالقة والمبدعين والملافنة، أما اليوم فهم مِلَلْ تتشبثْ بحصص زائفة وتتوسل دورًا لها على صعيد الوطن.
في الأمس كانوا المرجع الصالح، يختارون مفكّريهم ليتوّلوا شؤونهم، أما اليوم فإنّهم يتسكعّون على أبواب هذا الزعيم أو ذاك يشحذون منصبًا رديفًا في جمهورية هم أساسُها ولكنهم أضاعوا بوصلة المحافظة عليها.
في الأمس كانوا عمالقة فكر واليوم أصبحوا من «جماعة الفكر الأجردوي». في الأمس كانوا منفتحين بعضهم على بعض وعلى العالم بحرّيتهم الفكرية والعقائديّة، أما اليوم هم منغلقـون ضمن مؤسسات حزبية قاتلة فكراً وحضوراً، في الأمس كانوا منبع الإيمان الديني والوطني، أما اليوم فهم مشعوذون.
موارنة الأمس يا سادة كانوا أمل كل تجديد ثقافي وحضاري وفكري، وكانوا المثال الأعلى في الإلتزام الديني والخُلُقي وكانوا متسامحين واعين، في الأمس كانوا المواطنين المثاليين الذين لا وطن ولا لغة ولا لباس ولا أحزاب عقائدية تُميِّزهم عن سائر إخوتهم اللبنانيين. في الأمس كانوا يُقيمون في كل لبنان كالروح في الجسد، أما اليوم فهم يشتهون أن يكونوا أُمراء في حي أو بناية. في الأمس تصوّر كمال الله والقدّيسين في موارنة عظماء، أما اليوم فالرب منهم برّاء من كَثرة آثامهم.
في تاريخ الموارنة لم تشهد صفحاته ما يشهده حاضرهم من ويلات وحروب عبثية وتناحـر وتقاتل وبيع ضمائر، فلو تمّ النظر إلى جوهـر حاضرهم لوجدناه بين واقعتين فاشلتين منتظمتين بين الإنكفاء والتقهقر، وقد تجسّد هذان الأمران في العامل الفكري والثقافي الذي أدّى إلى هذا الحضور الفاقد لأي إحترام، وها هـو اليوم يتخذ منحى في التزاحم بين معسكرات لا تمُّتْ إلى الواقع الماروني العملاق، وقبل أن تخلو الساحة المارونية لأشباه القادة والرجال.
في الأمس كان الموارنة أصحاب فكر وأنتليجنسيا، مثقفون ـ باحثون إنخرطوا في صوغ الخريطة الفكرية الوطنية المارونية في وطن هم أصحابه، في الأمس مفكرو الموارنة وضعوا الأُسُسْ الفكرية والسياسية والعسكرية والتجارية والعلمية، وناضلوا في الصفوف الأمامية، أما اليوم حاضرهم مُعيب، وهم على هامش أو خارج المعادلة أو في متاحف الذلّ والعار..
في الأمس كانوا المرجع الصالح، في الأمس كان هناك عمالقة ومنهم: جواد بولس، إدوار حنين، فؤاد إفرام البستاني، كمال يوسف الحاج، الأب يواكيم مبارك، الأباتي شربل قسّيس، الأباتي بولس نعمان، الدكتور عصام خليفة، أما اليوم هناك الرعاع.
في الأمس كان للموارنة عبر تاريخ لبنان حضور ثابت وواسع في كل ميادين الحياة السياسية اللبنانية الفكرية الثقافية العلمية الإقتصادية المالية، وكان لهم الدور المتقدّم كأجدادهم الفينيقيين على كل شعوب منطقة الشرق الأوسط، وقد أدّوا الدور الطبيعي في إرثاء العلاقات المتينة بين ضفتي المتوسط، وكان لهم الحضور الثقافي المميز، وكانت لهم أول مطبعة في دير مار أنطونيوس قزحيا في شمال لبنان في العام 1610، وكان لهم الدور الريادي والأساسي في إطلاق العلم والثقافة، أما اليوم فحاضرهم حزين رازح تحت الظلمات والإرتهان والتبعية والإستسلام.
في 9 شباط عيد مار مارون، إلى كل ماروني مُجاهـد وعالِمْ، إلى كل ماروني شريف قدّيس فكريًا ووطنيًا ومؤمنًا مواظبًا على محبة جمهورية 1920، إلى كل مؤمن بالصبر الطويل في الثبات والبطولات الصادقة، إزاء أشرس نكبة يتعرّض لها موارنة لبنان وعالم الإنتشار من زعامات فُرِضَتْ عليهم؛ مطلب واحد، إلعنوا تُجّار الهيكل من صفوفكم.
عاندوا في الحق ضدّ الباطل، كونوا أبطالاً حقيقيين واصمدوا وقاوموا هؤلاء الغزاة الذين تسلّلوا إلى الصفوف الأمامية وباتوا عبئًا عليكم وعلى المارونية السياسية، إنّهم جحافـل اضطهاد وطغيان ومرتزقة فكر.
الفكر الماروني فكر عملاق يحمل رسالة الفداء، فاشهدوا أيّها الموارنة للحق، وكونوا أنتم الحق لأنكم والحق أكثرية، أرفضوا أن تكونوا متعبّدين للأولياء.
أنبشوا الفكر الماروني الأنطاكي العملاق وأظهروا مدى تفاعله مع وجـود لبنان، والتزموا معه في رسم مستقبل المارونية السياسية لتجديد الكيان الماروني الفريد.
كونوا يدًا واحدة، وقلبًا واحدًا، من أجل المصير الواحد، والمسؤولية الواحدة.
بالوعي والمسؤولية الفاعلة، بالوطنية الصادقة وحب الحياة، تعالوا لنعيد مجد الموارنة بعد هذا التاريخ الحافل، لندرك عظمة تاريخ الموارنة في الأمس ولننهي حاضرًا مأسويًا.