Site icon IMLebanon

الزعماء الموارنة… خارج أسوار العاصمة

تُعتبر العاصمة في بلد مركزي، مركزاً لتجمّع مؤسسات الدولة ومكانَ إقامة زعماء الأحزاب والكتل السياسيّة والمسؤولين السياسيين، نظراً لسهولة التواصل، وقربهم من مركز القرار.

لا تُقاس الأمور في لبنان بهذا المعيار، لأنّ التواجد في بيروت العاصمة أو الخروج منها هو إختبار لمدى قوة أو إطمئنان أيّ طرف سياسي أو طائفي في بلد يغلب على مكوّناته الإجتماعية الخوف الدائم من قوّة الشريك وتمدّده، وإنتزاعه الحصة الأكبر من النظام اللبناني.

سيطرت على العاصمة تاريخياً لعبة التوازن المسيحي- الإسلامي والذي أخذ طابعاً سنّياً، ما دفع الرئيس المؤسس لحزب الكتائب اللبنانية الشيخ بيار الجميل الى الترشح مرّات عدّة والفوز في المقعد النيابي الماروني عن دائرة الأشرفية، وكانت الجملة الشهيرة التي تردّدت آنذاك أنّ الشيخ بيار يخوض معركة مارونية على أرض أرثوذكسية وبأموال كاثوليكية، ويفوز بأصوات أرمنية.

في المقابل كانت الزعامات السنّية وعلى رأسها الرئيس صائب سلام تشكّل التحالفات الإنتخابية وتتنافس أو تتناغم مع زعامات سنّية أخرى لها تحالفاتها البيروتيّة وإمتداداتها، وبالتأكيد كانت معركة رئاسة الحكومة من أولوياتها.

التطوّر الكبير على تركيبة بيروت الديموغرافية والسياسيّة حصل بعد اتفاق «الطائف» وتراجع «المارونية السياسية» والدور المسيحي في الحكم، وانعكس ذلك دخول الشيعة الى بيروت والضاحية الجنوبية بسبب التهجير الاسرائيلي من الجنوب وتراجع المسيحيين الى الضواحي الشرقية وصولاً الى الشمال.

في عزّ الأزمات والحروب، لم يترك الشيخ بيار البيت المركزي في الصيفي الذي خرجت منه الثورات والانتفاضات، والانتفاضات المضادة، وكان مقرّ حزب «الكتلة الوطنية» في الجميزة يعجّ بالحركة مع العميد ريمون إده، في وقت سكن الرئيس كميل شمعون في الأشرفية بعدَ الهجوم على ساحل الشوف بداية الحرب الأهلية وإحراق قصره في السعديات، وبقي فيها في أشدّ المعارك وأبرزها حرب المئة يوم.

تغيّرت الظروف اليوم، فالنائب ميشال عون يسكن الرابية، والدكتور سمير جعجع يقطن معراب، والرئيس أمين الجميل والنائب سامي الجميل يتنقلان بين بكفيا والصيفي، فيما النائب سليمان فرنجية لا يترك بنشعي.

كلّ هذه التفاصيل تدلّ على عدم شعور المسيحيين بالإطمئنان في عاصمة لبنان، ومنهم مَن ذهب أبعد بكثير، إذ إعتبر أنّ بيروت «لم تعد لنا»، خصوصاً مع تسجيل حالات بيع أراضٍ للمسيحين في بيروت الغربية والنزوح منها، وكذلك ترك قسم منهم الاشرفية والصيفي والجميزة واتجه نحو المتن وكسروان.

قد يكون جعجع لا يحبّ السكن في العاصمة لأسباب عدّة، لعلّ أبرزها العامل الأمني وعدم قدرته على التأقلم مع ضجيج المدن، وربما يفضّل عون الرابية، وإختار فرنجية البقاءَ في منطقته وبين أهله لتأمين الخدمات الضرورية لهم، لأنّ جدّه الرئيس سليمان فرنجيّة شدّد منذ تولّيه الحكم على بقاء الزغرتاويين في أرضهم وأصرّ على تحسين ظروفهم المعيشيّة، وإلّا… لكنّ هناك عاملاً نفسياً يجب على المسيحيين كسره، وعدم الانحصار في منطقة معيّنة.

وإذا نظرنا الى هذا الأمر من ناحية إيجابية، نرى أنه من المفيد الإنتشار في المناطق، شرط أن يترافق ذلك مع خطة تذهب بالبلاد نحو اللامركزية الموسَّعة والإنماء الشامل لأنّ كلّ منطقة من لبنان يجب أن تحظى بالإهتمام الذي تأخذه العاصمة.

يسكن النائب وليد جنبلاط في كليمنصو على رغم أهمية المختارة ورمزيّتها للزعامة الجنبلاطيّة، ويُعتبر الدفاع عن بيروت أحد أهمّ الشعارات التي يرفعها تيار «المستقبل»، وكذلك فعل زعماء آخرون، من هنا، لا يمنع أيّ شيء من تواجد الزعماء الموارنة في بيروت ولو رمزياً كدليل على وجود المسيحيين في العاصمة ومركز القرار.

لم يعد مسموحاً المزيد من التراجع السياسي والديموغرافي في الدور المسيحي، فالخروج من بيروت ومن قصر بعبدا يرتب نتائج سلبية على الوجود المسيحي في لبنان والشرق، ستتحمّلها الأجيال المقبلة، في وقت تتطلّب المرحلة حضور المسيحيين بقوّة من أجل التغيير والنهضة.