IMLebanon

“لقاءٌ وانطلاق” في زمن الصِعاب والخوف على الوجود…

 

 

الرهبانيات تُجدّد قيادتها… وآخرها المارونية المريمية

 

 

«لقاءٌ وانطلاق». شعارٌ انتقاه الأباتي إدمون رزق عنواناً لمسيرة ما بعدَ انتخابه رئيساً عاماً للرهبانية المارونية المريمية في تموز الماضي. للأسف، نحن نقبع في أسفلِ دركِ زمنِ التفرقة والتقهقر. فما أحوج اللبنانيين، عموماً، والمسيحيين، خصوصاً، إلى ترجمة ذلك الشعار خطوة بخطوةٍ ولحظة بلحظة. لقاءٌ لرأب الإنقسامات وجمع ذوي الإرادة الصلبة. وإعادة انطلاقٍ في رحلة تعاوُنٍ وتكاتُفٍ. الخيارات الأخرى أمام الوطن والمواطن – والكنيسة وأبنائها، مقيمين ومنتشرين – أحلاها مرٌّ.

هي ظروف صعبة مرّت بها الرهبانيات المارونية «الحبرية» الخاضعة لسلطة الفاتيكان في السنوات الأخيرة. وحالها في ذلك من حال البلد. لكنّ التماسك والسير قُدُماً خلال كل محنة وبعدها أمرٌ لا مناص منه. ففي تموز الماضي، انتخبت الرهبانية المارونية المريمية الأباتي إدمون رزق رئيساً عاماً لها، الأباتي بيار نجم نائباً عاماً ومدبّراً أوّلَ، الأب جهاد يونس مدبّراً ثانياً، الأب جان مارون الهاشم مدبّراً ثالثاً والأب سمير غصوب مدبّراً رابعاً. وتزامناً، انتُخب الأب جوزيف بو رعد رئيساً عاماً للرهبانية الأنطونية المارونية، وقد سبقه انتخاب الأب هادي محفوظ رئيساً عاماً للرهبانية اللبنانية المارونية قبل حوالى السنة، والأب مارون مبارك رئيساً عاماً لجمعية المرسلين اللبنانيين الموارنة في العام 2019. التجديد من سمات الاستمرارية. وحول واقع الرهبانية المارونية المريمية، لا سيّما في أعقاب الانتخابات الأخيرة، تواصلت «نداء الوطن» مع الأب المدبّر جان مارون الهاشم لسماع المزيد.

 

وثبة نوعية

 

الشعار الذي اختاره الأباتي إدمون رزق يأتي تجسيداً لإعادة تنظيم وتجديد الرهبانية التي تأسّست منذ 320 عاماً وأعطت لبنان والعالم أسماء بارزة سهرت على مصلحة الكنيسة. فـ»اللقاء» هو ضمن البيت الداخلي، أي الرهبانية، حيث يحرص الجميع على العمل من أجل خير الأخيرة وتبوّؤ الشخصِ المناسب المنصبَ المناسب دون أي خلفيات، ذلك أن الهدف الأسمى هو تحقيق الرهبانية وثبةً نوعية بعد سلسلة ظروف معرقلة. وإذ التمس المجلس المنتخَب بركة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي، الذي يسهر على الرهبانية ويرعاها، كانت باكورة عهد الرئيس الجديد زيارته قداسة البابا فرنسيس في لقاء دام أكثرَ من نصف ساعة. وقد بدا قداسته على بيّنة من الأوضاع الدقيقة داخل الرهبانية ومن أوضاع الكنيسة بشكل عام في لبنان، مجدّداً ثقته بالرهبانية وبالمجلس الجديد المنتخَب.

 

أما «الانطلاق»، فيُقصد به الانطلاق نحو الإنسان – الآخَر – من خلال المساعي الدؤوبة لتأمين حق التعليم لكل طالب في مدارس الرهبانية أو جامعتها. «صحيح أن المشكلة في لبنان سياسية، لكن هناك أيضاً أزمة اجتماعية خانقة. نحن لا نتعاطى السياسة بمفهومها السياسي الضيّق، فهذا ليس من شأننا، لكننا ننخرط في السياسة الاجتماعية انطلاقاً من العمل الاجتماعي للرهبانية والوجود إلى جانب كلّ محتاج لأي نوع من المساعدة»، كما يشير الأب المدبّر الهاشم. وقد زار الرئيس العام المنتخَب، الأسبوع الماضي، أستراليا لتدشين مركز جديد للرهبانية هناك على يد راعي الأبرشية، المطران أنطوان شربل طربيه، كأحد مفاعيل الانطلاقة تلك.

 

الجذور ثابتة

 

ثوابت الرهبانية المارونية المريمية متجذّرة لا يمكن الخروج عنها، وأبرزها الحياة الروحية المرتكِزة على تنشيط روح الصلاة والحياة الديريّة كما الرسالة حيث كانت الرهبانية سبّاقة في تأسيس المدارس. فماذا عن الدعوات الكهنوتية؟ «لقد أنعم الله على رهبانيتنا في السنوات الأخيرة بِعدد لا بأس به من الشبّان الراغبين في اعتناق الحياة الرهبانية، سواء في دير الابتداء في دير مار سركيس وباخوس في عشقوت أو في أديار التنشئة في السهيلة وروما. علماً بأن رهبانيتنا لا يتجاوز عدد أعضائها الـ150 عضواً»… فالطريق للوصول إلى الله هي الإنسان في مختلف ظروف حياته وأوضاعه، من هنا الحرص على تنشئة رهبانٍ صالحين يتّصفون باحترام وطاعة الكنيسة، قداسة البابا، غبطة البطريرك والتفاعل مع المطارنة كما التنسيق مع الرهبانيات الأخرى.

 

بالعودة إلى عملية إعادة التنظيم التي تشهدها الرهبانية حالياً – والمرتكِزة على تفعيل عمل المؤسّسات كون كل منها بحاجة للتطوّر تبعاً لاحتياجات المجتمع المتجدّدة – فإن امتلاك الرهبانية عدداً كبيراً من المدارس إضافة إلى جامعة سيّدة اللويزة جعل من الضروري توفير العِلم لأكبر عدد ممكن من الرهبان تأميناً لكوادر تعليمية من داخل الرهبانية. كذلك، تقوم الأخيرة بتفعيل العمل مع العلمانيين الذين يُعتبرون بمثابة شركاء في مؤسّساتها. وذلك يترافق مع إجراء نوعٍ من إعادة النقد الذاتي لتحديد مكامن النجاح والحفاظ عليها، من جهة، وحصر مكامن الضعف لتحسين الأداء، من جهة ثانية. فالمجلس الجديد، وبتوجيهات من الأباتي إدمون رزق، يحرص على تكوين فريق عملٍ متجانسٍ لتعزيز فرص النجاح. إذ إن إعادة ترتيب أي بيت داخلي تتطلّب قراراً وانفتاحاً نحو الآخر واستعانة بأصحاب الاختصاص.

 

ما مِن طالبٍ يُردّ خائباًثمة كلامٌ متزايدٌ عن عدم لعب مؤسّسات دينية كثيرة الدور المطلوب في المرحلة الدقيقة الراهنة. فكثيرون يذهبون إلى الاعتقاد بأن بعضها بات لا يختلف كثيراً عن أي مؤسّسة تجارية أخرى. والأقساط المدرسية المتفلّتة والتقاعُس عن دعم المحتاجين كما يجب من أبرز المآخِذ. يقول الأب المدبّر الهاشم إن الرهبانية المريمية مؤسّسة لا تبغي الربح إنما الاستمرارية. والاستمرارية تعني التطوّر. غير أن تحقيق التطوّر على حساب الإنسان غير مقبول. صحيح أن الرهبانيات تأثّرت بدورها بالأزمة الاقتصادية المتمادية، لكنّ قدرتها على النهوض السريع أفضل من غيرها. «أؤكّد أن ما مِن طالِبٍ يُردّ خائباً في مؤسّساتنا التربوية وأجزم بأن أقساطنا هي من الأكثر رأفةً بحال الناس قياساً بالمستوى التعليمي الذي نوفّره. ومن ناحية أخرى، نقوم بمساعدة رعايانا من خلال توفير أراضٍ للاستثمار كي يعملوا فيها. أما بالنسبة للمساكِن المستأجَرة من الرهبانية، فما زلنا نستوفي الإيجارات بالليرة اللبنانية وبِالقيمة نفسها التي كانت عليها عند توقيع العقود».

 

العلاقة التي تربط الرهبانية المارونية المريمية بأختيها اللبنانية والأنطونية، كما بالمرسلين اللبنانيين الموارنة، مبنيّة على التعاون المتبادَل الدائم عبر لقاءات دورية تُعقد بين الرؤساء العامّين، «حفاظاً على الوجود المسيحي والكيان اللبناني». الرهبانيات الأربع تعمل تحت قبّة بكركي وبرعاية غبطة البطريرك، فالعلاقة أساسها الاحترام والتنسيق رغم أن لكل منها تنظيمها الداخلي وجامعاتها ومدارسها ومؤسّساتها. والتناغم حاصلٌ لما فيه خير الكنيسة والحفاظ على الرعيّة.

 

تعيش الرهبانية المارونية المريمية حالياً مرحلة نموّ، لا سيّما مع تهافُت الشبّان للالتحاق بها انطلاقاً من محبّتهم لشفيعتها، مريم العذراء، أو تشبُّهاً بحياة عدد كبير من الرهبان والنسّاك الذين عاشوا في رحابها – وآخرهم رجل الله الأب أنطونيوس طربيه، المعروف بناسِك وادي مار ليشع في بشري. فعلى أمل أن نراه مرفوعاً على مجد المذابح بعد انتهاء الإجراءات الكنسية والتحقيقات ذات الصلة، يختم الأب المدبّر الهاشم كلامه بالقول: «نؤكّد ونجزم بأن الوجود المسيحي في لبنان ليس بخطر». لعلّها رسالة ثبات ورجاء على درب جلجلةٍ طويلٍ… طويل.

 

الرهبانية المارونية المريمية في سطور

 

تأسّست الرهبانية في العام 1695 على يد ثلاثة شبّان من حلب. ثبّت قوانينها بدايةً البطريرك مار اسطفانوس الدويهي، ولاحقاً الكرسي الرسولي في العام 1732. تقوم رسالتها على الصلاة والعمل وانطلقت منذ تأسيسها في خدمة الرسالات والتعليم والرعايا. توجّه رهبانها إلى مصر حيث أنشأوا رسالة الرهبانية سنة 1745 وانطلقوا بعدها إلى عالم الانتشار. وتقوم اليوم بخدمة عدة رسائل خارج لبنان: أستراليا، أميركا الشمالية، أميركا اللاتينية (الأرجنتين والأوروغواي)، مصر وقطر.

 

تدير الرهبانية عدة مؤسّسات تربوية، نذكر منها في لبنان: مدرسة سيّدة اللويزة التي تحتضن أكثر من 3000 طالبٍ وتتبع المنهجين الفرنسي والإنكليزي؛ مدرسة القديسة ريتا في الضبية وتضمّ أيضاً مركزاً مهنياً إلى جانب المدرسة الأكاديمية، ويبلغ عديدها حوالى 500 تلميذٍ؛ مدرسة مار عبدا الثانوية في دير القمر؛ مدرسة مار يوحنا في خربة قانافار وتضمّ أكثر من 600 طالبٍ؛ ومدرسة سيّدة اللويزة في فيطرون. أما خارج لبنان، فتُدير الرهبانية ثلاث مدارس في مصر والأوروغواي والأرجنتين. هذا إضافة إلى جامعة سيّدة اللويزة في لبنان التي تضمّ، إلى جانب البيت الأم، فروعاً في كل من ذوق مصبح، الكورة والشوف، ويبلغ عدد طلابها في الفروع الثلاثة أكثر من 4 آلاف طالبٍ.

 

كذلك، تدير الرهبانية مركزاً استشفائياً في مصر الجديدة. ويخدم رهبانها عدة رعايا في أبرشيات عديدة في لبنان من نيابة صربا البطريركية الى نيابة الجبة فأبرشية صيدا ودير القمر وأنطلياس المارونية. كما ينتشر الرهبان في الأديار الواقعة في أبرشيات عديدة في لبنان. أما في الخارج، فتقوم الرهبانية بخدمة عدد من رعاياها من خلال رهبانها وبالتنسيق والتعاون الكامل مع مطارنة الأبرشيات، سواء في عالم الانتشار أم في مطرانية القاهرة. مع الإشارة أخيراً إلى تواجُد الرهبانية في روما، وتحديداً في دير مار أنطونيوس الكبير الذي تأسّس سنة 1753. ولها دير آخر في منطقة تشيشيليانو المجاورة لروما.