يدخل البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي قصر الإليزيه هذه المرة بطريقة مغايرة عن المرات السابقة. ولم يتصور أحد بلوغ العلاقة بين بكركي والاليزيه هذا الحدّ من التدهور. واذا كانت طريقة الدخول معروفة، فيبقى السؤال: كيف سيخرج الراعي من الإليزيه؟ وهل سيقف الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون عند خاطر سيد بكركي؟ أو سيحاول تسويق صفقته الرئاسية ويقنع البطريرك بها؟
تفصل بكركي بين علاقتها مع رئيس تيار «المرده» سليمان فرنجية وبين طريقة تعاطي باريس و»الثنائي الشيعي» مع الملف الرئاسي. وتأتي زيارة باريس بعد جولة رعوية قام بها الراعي إلى الأردن وبعد تقدم في مسار العلاقات بين الدول العربية وبكركي وتأزمها مع باريس، وهذه مفارقة قلما تحصل في السياسة اللبنانية.
حضّر الراعي جيداً لزيارة باريس التي سيقصدها بعد مروره بالفاتيكان. وهذه الزيارة ستتم بعدما عمل عدد من الوسطاء على تذليل العقبات. والفرق بين هذه الزيارة والزيارات السياسية التي قام بها عدد من الساسة إلى الإليزيه، هو أن زيارات السياسيين ركزت على الشق الرئاسي فقط في حين سيتم التركيز بين الراعي والرئيس ماكرون على الرئاسة وتصحيح مسار العلاقات.
ويتسلح البطريرك الماروني خلال زيارته بالأجواء الايجابية الصادرة عن مشاورات المعارضة ورئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل والإتفاق المبدئي على اسم الوزير السابق جهاد ازعور.
واذا سارت الأمور كما يجب وتم الإعلان النهائي عن هذا الاتفاق، سيحضر اسم ازعور في اجتماع باريس، وعندها ستسقط الحجة الفرنسية بعدم وجود مرشح غير فرنجية، بل هناك اتفاق مسيحي أولاً ووطني ثانياً يجب على باريس احترامه وعدم الإصرار على مبادرة رئاسية تفوح منها رائحة الصفقات والسمسرات ولن تمر أصلاً.
سيعيد الراعي تمسكه أمام ماكرون بكل مندرجات «اتفاق الطائف» وابرزها المناصفة بين المسيحيين والمسلمين والتمسك بمارونية رئاسة الجمهورية. ويأتي هذا الموقف الطبيعي لبكركي بعد بروز مخاوف مسيحية من تسويق ادارة ماكرون في الغرف المغلقة للمثالثة بدل المناصفة لإرضاء ايران و»الثنائي الشيعي» خصوصاً أنّ الجانب الفرنسي كان قد طرح مثل هكذا طرح في مؤتمر سان كلو.
واذا كان ماكرون قد ضرب مصالح اللبنانيين والمسيحيين بعرض الحائط ولم يسأل عن رأي بكركي والمسيحيين في الملف الرئاسي، فإنّ الكنيسة لا تستغرب تعهد ماكرون بتقديم هدايا لطهران و»الثنائي الشيعي» ومن ضمنها المثالثة مقابل تمرير مصالح لنافذين فرنسيين في طهران وبيروت. سيحاول الراعي التعامل بايجابية مع الجانب الفرنسي خصوصاً بعد الزيارة الأخيرة التي قامت بها السفيرة الفرنسية آن غريو الى بكركي وتأكيدها أن لا مرشح لبلادها ولا تدعم أي اسم وهي مع من يتفق عليه اللبنانيون.
تبقى الكنيسة على حذرها، فكسر ارادة المسيحيين يعني الدخول في مرحلة الاحباط المسيحي مجدداً والخروج من النظام وسيطرة مكون على بقية المكونات مستقوياً بالسلاح غير الشرعي والدعم الخارجي.
وإنطلاقاً من هذه الأجواء، سيؤكد الراعي دعمه لمنطق الدولة في وجه الدويلات ووقف تدمير الكيان وعودة النازحين السوريين الذين يتلقون الدعم من الاوروبيين لتثبيتهم في لبنان، وسيضع الفرنسيين أمام مسؤولياتهم التاريخية في حماية لبنان الكبير الذي ساهموا في وجوده وعدم دخولهم في بازارات ستدمر الكيان وستقضي على العلاقات التاريخية المميزة بين الموارنة ولبنان وفرنسا.
لا يزال جرح 4 آب حاضراً بقوة، وسيشدد الراعي على أهمية المبادرة الفرنسية الأولى بعد انفجار المرفأ والدعوة الى اختيار رئيس سيادي واصلاحي وتشكيل حكومة اصلاحية تحمي القضاء لكشف الحقيقة في انفجار المرفأ وتصلح ما افسدته السلطة السياسية.
ستكون نتيجة الحوار بين المعارضة و»التيار الوطني الحر» الحاضر الأكبر في لقاء الاليزيه وسط تأكيد «التيار» على توليه عملية اقناع «حزب الله» بالمرشح، لكن حتى لو تعرقلت الأمور سيتمسك الراعي بمواقفه ولن يسير عكس إرادة المسيحيين.
إلى الفاتيكان
اذاً، يتوجّه الراعي صباح اليوم إلى الفاتيكان للقاء رئيس الحكومة الكاردينال بييترو بارولين، على أن ينتقل مساء إلى باريس للقاء الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون غداً الثلاثاء. ويرافقه إلى الاليزيه وفد يضم: المطارنة بولس مطر، بيتر كرم، مارون ناصر الجميل، المونسنيور أمين شاهين، سفير لبنان في باريس رامي عدوان، مدير مكتب الاعلام في بكركي وليد غياض. وأوضح غياض أنّ الراعي يحمل معه إلى فرنسا الملف الرئاسي، وسيطلب مساعدتها في ملف النازحين السوريين وضرورة عودتهم الى بلادهم ورفض توطينهم، اضافة إلى معالجة الملف المالي خصوصاً في ظلّ الانهيار الاقتصادي والمالي.
وكان الراعي أمل في عظته خلال قداس الاحد في بكركي في أن «يتمّ انتخاب رئيس للجمهورية بأسرع وقت كي تنتظم المؤسسات الدستورية وتعود الى العمل بشكل طبيعي وسليم وفعال، وبذلك تتوقف الفوضى الحاصلة على عدّة مستويات، وتتوقّف القرارات والمراسيم العشوائية التي تستغيب رئيس الجمهورية وصلاحياته وبالتالي فهي تبقى عرضة للشكّ والاعتراض».