إغتنم البعض مناسبة عيد مار مارون يوم أول من أمس الخميس ليتبارى في »تحليل« المارونية السياسية، وفي تعداد مثالبها… بينما ذهب البعض الآخر الى تعداد المثالب بإسهاب واشارة الى المحاسن في كلمات معدودة.
ولا بأس، فالشجرة المثمرة هي التي ترمى بالحجارة. ولعلّ الذين لم يجدوا في المارونية السياسيّة إلاّ المثالب (ونحن نتحفظ، في الأساس، عن هذا التعبير: المارونية السياسية) هم من جاهلي التاريخ الحديث لهذا الوطن. أو ممن يتجاهله. أمّا الذين لم يجدوا سوى سلبيات تطغى على الإيجابيات، فلعلّ في ذاكرتهم نقصاً. وللإثنين معاً نقول:
عندما كان الموارنة أصحاب نفوذ و… صلاحيات في السلطة اللبنانية كان لبنان منارة حقيقية في هذا الشرق، وعلى مفترق قارات العالم. هذا ليس شعراً (ونحن نحب الشعر) هذا واقع لا يمكن إنكاره أو تجاهله لأنه يتحدّث عن ذاته بذاته.
كانت كلمة لبنان مسموعة في دنيا العرب وفي الإقليم وفي العالم كله.
كانت الليرة اللبنانية من أهم العملات الوطنية في العالم قاطبة، وكانت مقبولة في التداول المصرفي في أوروبا وأميركا…
وكان الإقتصاد اللبناني ثابتاً… وحتى ما بعد حرب ضروس استمرت خمس عشرة سنة لم يكن على لبنان دينٌ يذكر.
وكانت المصارف اللبنانية (وما زالت) الأشد ثباتاً بالرغم مما تعرّضت له خلال الحرب من بلطجة ولصوصية على أيدي العصابات المعروفة.
وكان لبنان واحة في صحراء قاحلة: واحة ديموقراطية. واحة علمية (وجامعية). واحة لنشر الكتب. واحة لحرية الرأي. واحة للإعلام. واحة سياحية. واحة طبية. واحة فندقية (…) اضافة الى كونها واحة طبيعية صنعت بإزميل إلهي.
كان لبنان وجه العرب الحضاري، وكان يجمعهم في مؤتمر قمة ليزيل الخلافات أو يسعى لإزالتها ما أمكنه الى ذلك سبيلاً. وكان الناطق بإسمهم في الأمم المتحدة: كميل شمعون سقط بنوبة قلبية وهو يدافع عن قضية فلسطين على منبر هيئة الأمم، وسليمان فرنجية تحمل ما لا يتحمله رئيس من الصلف الأميركي لأنه حمل قضية العرب (فلسطين) الى الأمم المتحدة. وقبلاً: حمل حميد فرنجية ورياض الصلح قضية الجلاء الأجنبي – الإنتداب الفرنسي – عن لبنان وسوريا.
الموارنة، عندما كانوا في ما يُتّهمون به اليوم (أي الهيمنة على الحكم) أقاموا نموذجاً ديموقراطياً سبّاقاً. أعطوا المرأة حق الإنتخاب قبل دول أوروبية كثيرة. تحقق معهم (ومع اخوانهم اللبنانيين من مختلف الطوائف)، الإستقلال قبل أربعة أخماس دول العالم الحالي، وقبل دول لا يتجاوز سكان لبنان عدد سكان حي واحد من أحياء مدنها.
الموارنة نسجوا مع أهل السنة وسائر أبناء الوطن الميثاق الوطني الذي لا يزال، حتى اليوم ظاهرة فذّة خلاّقة لم تتوصل اليها حتى الدول التي تتألف شعوبها من مذهبين في الدين الواحد… فأقاموا وطن المساواة لـ18 طائفة!
ولا نود أن نتوسّع في ما رفضه الموارنة من أجل السيادة والإستقلال وقبله اخوانهم… فكانت النتيجة ما عرفنا ونعرف وما عشنا ونعيش.
ولقد يكون مفيداً التذكير مرة أخرى بما جرى بيني وبين مسؤول كبير: فقد قال لي: لقد لزمكم، أنتم أيها المسيحيون، نحو 35 عاماً حتى »عملتم وسويتم« بهذا البلد. فأجبته على الفور: صحيح… أما أنتم فقد لزمكم 35 دقيقة من تسلمكم الحكم حتى »عملتم وسوّيتم« بلبنان.a