IMLebanon

المسيحيّون ورئاسة الجمهوريّة على ضوء الميثاق الوطني

 

 

لا يزال لبنان يعاني من أزمة مفتعلة تهدف إلى تعقيد مهمّة اختيار رئيس ماروني للبنان. إنّ التوصل إلى فهم كافه الاعتبارات التي تحيط بهذا الاختيار يفرض بشكل علمي العودة إلى مقوّمات لبنان الدولة انطلاقاً من العناصر والأسس التي قامت عليها التجربة اللبنانية أو ما أسميناه «المانيفست الماروني» وفيه محاولة لرسم ملامح المفهوم الماروني للبنان وهو مفهوم ينطلق كما كان يردّد شارل مالك من معادلة أساسية وهي: «النظرة إلى لبنان في ذاته». وهي نظرة كان الموارنة سبّاقين إلى بلورتها ليس بعامل التفوّق الديني أو العرقي أو اللغوي، بل بفضل العامل التاريخي، إذ أنّ الموارنة كانوا من أقدم الجماعات التي اختارت لبنان موئلاً لها نازحة من شمال سوريا بعد وفاة مار مارون عام 410. ولأسباب نفسية وروحية وسياسية، تمَّ التفاعل بين الجماعة المارونية وأرضها الجديدة فتحوّل لبنان من موئل للموارنة إلى معقل لهم: كنيسة وجماعة وأمّة فلاحين. وهكذا تبلورت في أذهانهم النظرة إلى لبنان في ذاته ضمن المبادئ والأسس التالية:

 

1 – الحيوية: النابعة من طبيعة العلاقة بين الموارنة وأرض لبنان وهي من أعمق وأرقى وأسمى العلاقات بين جماعة والأرض التي تقيم عليها: إنّها علاقة الأرض – الوجود، والأرض – العيش، والأرض – الحرية.

 

2 – الكيانيّة الدولاتية السيدة – النهائية بحدود مرسومة منذ عام 1920 واعلان غورو الذي أسماه المؤرخ كمال الصليبي هو إعلان «انتصار المشروع الماروني».

 

3 – الذاتية: وفيها شعور الموارنة بذاتيتهم كجماعة خاصة وهوية مميّزة، الأمر الذي دفع بمفكريهم وبمؤرخيهم إلى كتابة تاريخ شعوب المنطقة من الدويهي إلى المطران الدبس إلى الأب بطرس ضو.

 

4 – التنوعيّة: إنّ لبنان هو بلد الانفتاح على الآخر بلد التعددية والتفاعل الخلاّق. ولذا كما كان يردد المغفور له الآباتي شربل القسيس: فإنّ الموارنة لم يطوّبوا لبنان جبلاً للموارنة بل هو جبل الحرية لهم ولسواهم.

 

5 – الحرية: وهي عند الموارنة القاعدة والأساس لكل وجود جماعي وكما يقول المطران حميد موراني: «إنّ الموارنة يضعون في أساس تاريخهم الهرب من الاضطهاد والبحث عن الحرية فوجدان كل ماروني يولد من هذا المعنى».

 

6 – الرمزية: في وعي ولاوعي الموارنة أنّ لبنان هو البلد الرمز للمارونية فوق أرضه وفي جميع أنحاء العالم انه الجامع لهذه الدياسبورا الكبرى المنتشرة في جميع أنحاء العالم وأكثر انه الواقع الجغرافي المعبّر عن روحية شعبه وقيمه العليا وتوجهه العمودي إلى فوق لرؤية الله من فوق سطوح الكنائس والمعابد المنتشرة فوق ذرى لبنان منذ ما يزيد على 1500 سنة .

 

7 – الرساليّة: فلبنان ليس بلداً كبقية بلدان العالم، بل هو بلد ذو رسالة خاصة إلى الإنسانية كلها ولا سيما الحياة المشتركة المسيحية – الاسلامية، إنّه صورة للأونسكو أي للثقافة والازدهار والسلام.

 

8- الميثاقية: كل جماعة تختار الإقامة في لبنان هي، وينبغي أن تكون، جماعة ميثاقية لأنها كما يسمّيها ميشال شيحا: «الجماعات المتشاركة»، بماذا؟ في الأرض والعيش والمصير. وأنّ الخروج على الميثاقية هو خروج على مبادئ وأنظمة الحياة المشتركة:

 

• فالرئيس بشارة الخوري يرى في الميثاق تعبيراً عن التوازن الوطني والاستقرار لأنه فعل ارادة وفعل حرية، لذا صار علّة كيان لبنان ووجوده واستمراره.

 

• رياض الصلح: لا نريد لبنان للاستعمار مقراً بل نريده بلداً عزيزاً مستقلاً حراً.

 

• فؤاد شهاب: الميثاق والدستور يتكاملان.

 

• الرئيس سليمان فرنجية: الدستور الحقيقي للبلاد هو ميثاق 1943 .

 

• بيار الجميل: الميثاق هو خيارنا النهائي.

 

• كمال جنبلاط: الميثاق هو مؤالفة بين الفكرة اللبنانية والعربية.

 

• الرابطة المارونية: الميثاق الوطني هو قبل كل شيء قضية ثقة وإيمان بتاريخنا وأنفسنا.

 

• إدمون رزق: الميثاقية هي المشاركة المتكافئة في المسؤولية.

 

• بيار روندو: دستور لبنان الفعلي هو ميثاق 1943.

 

• ميشال الخوري: الميثاق كان مدخلاً لبلوغ الاستقلال والآن يجب تجديده لبناء الدولة.

 

• كمال الصليبي: الحلّ في لبنان هو في تطبيق الميثاق والدستور في روحيهما بوضوح وحسن نية. وفي الميثاق تتخلّى كل طائفة عن جعل لبنان وطناً خاصاً بها.

 

• رفيق الحريري: لبنان قام على تلاقي إرادات أبنائه وليس من حق أي فريق ان يفرض لونه وارادته كأنه اللاعب الوحيد، لا بالقوة العددية ولا بالقوة العسكرية وإلاّ أدى ذلك إلى انهيار الدولة كما يقول ميشال شيحا.

 

بين الميثاق والصيغة

 

وفي كل حال ينبغي التفريق بين الميثاق (المبدأ) والصيغة (الأسلوب). فالميثاق هو شرعنة الكيان وكيفية ادارته وحكمه ورسم سياسته. والصيغة هي الوسيلة للتعبير عن هذه الميثاقية عبر السلطات المختلفة دستورياً وادارياً في إطار الديمقراطية التوافقية وقد عبّر عنها الرئيس الحريري بالقول: وقّفنا العدّ…

 

يقول الأب ميشال الحايك: «الميثاق هو فعل ثقة بالقضية اللبنانية صاغته بل التزمت به الطوائف اللبنانية يوم هربت إلى هنا وفي مقدمها الطائفة المارونية وقد خسرت كل شيء إلا تراثها الروحي الذي سلم وحده من التدمير. لقد أدركت هذه الطوائف منذ نزولها في لبنان أنها إنما جاءت لصون هذا التراث. وهكذا كان الميثاق جزءاً من دواخل ضمائرها فصادقت عليه ضمناً كل أقلية قادمة إلى هذه الديار قبل أن يصاغ بتفاهم مكتوب أو غير مكتوب في مرحلة الاستقلال لأنّه تعبير عن ايمان وحقيقة وشرف. وإنّ ميثاقاً كهذا لا يجوز أن يُكتب لأنّ ضمانته الوحيدة هي الايمان بالله والثقة بالإنسان. علينا أن نحمي هذا الميثاق لأنه كان وسيبقى فعل ارادة وفعل حرية في آن».

 

في ضوء ما تقدّم تظهر الأهمية الاستثنائية للتوازن في بنية النظام اللبناني بين كافة المكونات وخاصة التوازن المسيحي – الإسلامي داخل السلطة كما تظهر جلياً هوية القوى التي تتلاعب بالمعادلة بهدف اضعاف أو اخراج أو تقييد الدور المسيحي الماروني ممثلاً بطرح العوائق أمام انتخاب رئيس للجمهورية بموجب الميثاق والدستور في آن.

 

كما تُبرز، وبكل أسف قصور الفكر السياسي المسيحي بطبعتيه السياسية والدينية عن اقتراح الحلول والمواقف التي توقف بشكل حاسم هذا العبث الأرعن بصيغة الدستور والميثاق في آن.

 

رئاسة لبنان لا تُستجدى. رئاسة لبنان تفرضها الإرادة والوعي ومنطق التاريخ؛ ومستلزمات الميثاق على امتداد ألف وخمسماية سنة. والميثاق له اتجاهان، لا اتجاه واحد! فهل من يرى؟ ويبادر؟ ويطبّق الميثاق… في الاتجاه الآخر!