استمرار الحوار في موازاة استمرار المحكمة الدولية، هو أكبر شهادة على استمرار الأعجوبة اللبنانية.
ومن لاهاي الى بيروت، تتسع المساحات، وتزداد مبررات النزاع، الا ان الحوار جزء منه مستمر في عين التينة.
وما أراده الرئيس نبيه بري، ما كان ليتواصل، لو كان الأمين العام ل حزب الله وزعيم تيار المستقبل لا يريدان ذلك.
وهذا هو لبنان.
والحوار مر ويمر في أجواء حارّة، وفي مناكفات حادة، ومع ذلك فإنه يتواصل.
مع ان ما قاله الرئيس سعد الحريري، وما عقب عليه السيد حسن نصرالله، كان كبيراً.
ولعل الإمعان في الاتهامات، مثل الحدة في الأقوال.
وما رددته السعودية وايران، أشد هولاً مما قيل في المحكمة الدولية.
وهذا، إن دلَّ على شيء، فيدل على أن الحوار أقوى منالسجال.
عشر سنوات هو عمر الجريمة التي أودت بالرئيس الشهيد رفيق الحريري.
وما حدث قبل جريمة العصر كان ينبئ بما تحقق.
ويقول الرئيس الشهيد، إنه رافق اتفاق الطائف إعداداً، وولادةً، وله في كل حرف فيه، نَفَسُه، ومع ذلك، فقد نسفوه قبل أن يلاقي مصرعه في قلب بيروت.
هل تكون العودة الى اتفاق الطائف هي الترضية المقبولة، لطيّ صفحات الاغتيال؟
كان الرئيس بشارة الخوري يراهن على الميثاق الوطني لبلسمة الجراح اللبنانية، بعد مئوية الإبادة اللبنانية على يد السفاح جمال باشا.
وعندما زجوا به في قلعة راشيا، خرج من الاعتقال الفرنسي كبيراً.
وفي الوقت نفسه، خرج من المعتقل الى الحكم.
في العام ١٩٥٢، خرج من قصر االقنطاري الى الكسليك، في انقلاب أبيض.
وبعد ست سنوات غادر الرئيس كميل شمعون القصر الرئاسي، وارتقى اللواء الأمير فؤاد شهاب قصر الذوق.
وعندما قرر الاستقالة، فكّر في أن يعهد بالرئاسة الأولى الى الشيخ بشارة.
إلا أن السياسيين زحفوا الى جونيه، وتمسكوا بعودته، ليعودوا الى بيوتهم.
صحيح ان فؤاد شهاب تميزت رئاسته باتفاق تاريخي بين جمال عبد الناصر والرئيس الأميركي دوايت ايزنهاور،
إلا أن الصحيح الآن، أن وليد جنبلاط قال في محكمة لاهاي إنه ينتظر اتفاقاً دولياً ليعرف الى مَن سيمنح أصواته وأصوات كتلته.
نسي وليد بك أن عنده مرشحاً من اللقاء الديمقراطي هو النائب هنري حلو، الا ان اللبنانيين لا يزالون يفكرون فيمن يمنحهم الاسم المطلوب.
كان والده كمال جنبلاط يقسم كتلته بين المرشحين، ويمنح أصوات الحزبيين للرئيس الياس سركيس، والنواب الآخرين للرئيس سليمان فرنجيه.
لكن، رزق الله علي أيام الحياة الديمقراطية، فقد كانت تتوج الأصوات برؤية سياسية تتفادى الاحراج، ولو كان من ذهب!!
في ثلاثينات القرن الماضي، اختار الرئيس اميل اده الشيخ محمد الجسر لرئاسة الجمهورية.
وهذا، إن دلَّ على شيء، فيدل على أن السياسة كانت تذهب صوب المواقع، لا نحو الأهواء.
الان، لا أحد يفكر في صيانة المقعد الرئاسي الأول، بل يضيع في عدد الأصوات.
في حقبة السبعينات، وبعد صعود نجم الرئيس كميل شمعون، في مرحلة الحلف الثلاثي وصل زعيم حزب الوطنيين الأحرار الى دير القمر وهو مرشح للنيابة، وعند التاسعة قبل الظهر هرع اليه الناخبون ليأخذوا منه أوراقهم، لكنهم فوجئوا بأن ليس معه بطاقات انتخابية.
يومئذٍ، أراد قديس الدير أن يشعل حماستهم، وقد فعل، وأصبح من ذلك النهار الزعيم المسيحي الأول في البلاد.