تُثير الأزمة الخانقة التي يتعرّض لها الموارنة تساؤلات كثيرة حول وضعهم في لبنان وسائر المشرق، ومنذ أنْ أصبحَ للبنان أهمية خاصة كركيزة الحياة السياسية في جامعة الدول العربية وفي منظمة الأمم المتحدة، أصبح للقادة الموارنة التاريخيين أمثال ريمون إده، كميل شمعون، سليمان فرنجية، فؤاد إفرام البستاني، إدوار حنين، الأباتي شربل قسيس، الأباتي بولس نعمان، البطريرك مار نصرالله بطرس صفير، البطريرك مار بشارة بطرس الراعي، وغيرهم من عظماء الأمة المارونية حظوة إهتمام متزايد وقامــوا بالمحافظة على الكيان اللبناني وتوسيع تحالفاتهم السياسية وشملت كل المذاهب الدينية من أجــل الحفاظ على حرية وسيادة وإستقلال لبنان.
أما اليوم الموارنة ويا للأسف هم في حالة إنحطاط فكري ثقافي عقائدي قيادي وحالات مُحْــلْ قـلّ نظيرها تاريخياً، والقيادات المارونية الحالية تُسهِم بشكل طوعي بتغذية خطوط العوائق السيادية التي تمنع المارونية السياسية من العودة إلى وجهها التي نشأتْ من أجله. حضور هذه القيادات الحالية يُسهِم في تعطيل الحياة السياسية في لبنان ويُعطِّل النظام برمّته، ويُسهم هذا الحضور في إحداث الفراغات المتتالية في جمهورية 1920، ومنها على سبيل المثال لا الحصر الفراغ في مقام رئاسة الجمهورية.
حضور هذه القيادات يُراكِم سجل التصدعات كلما أطلقوا العنان لألسنتهم الفاقعة من هنا وهناك ضمن تصعيد سياسي ماروني – ماروني يعيش على وقعه الموارنة ويخسرون حضورهم في مؤسسات الدولة يوماً بعد يوم. إنّ الأمر الأكثر خطورة حالياً هــو هــذا التحالف بين مكوّن سياسي ماروني يعتبر نفسه حافظ حقوق المسيحيين والمبني على ثنائية حزبية عُرِفتْ بـ«تفاهم معراب» في حينه، وتخطّى كل المحظورات حيث أجهزا على ما تبقّى من ديمقراطية فيما بين المسيحيين والتي ما لبثتْ أن إنكسرت بسبب عدم الإلتزام بين الطرفين.
حضور هذه القيادات المارونية تخطّى حرية العمل السياسي المبني على الديمقراطية وعلى حصرية السلاح تطبيقاً لقانون الدفاع الوطني، وقانون العلاقات الدولية بين الدول… وفي حال بقيتْ الأمــور على ما هي عليه من تنكُّــرْ للسيادة، ومن ضرب للمؤسسات الشرعية المدنية والعسكرية فإنّ الأمــــــــور ويا للأسف ذاهبة نحــو الأسوأ.
لمناسبة ذكرى عيد القديس مار مارون وتزامناً مع حالة الإنحدار يجــوز تسليط الضوء على ظاهــرة التصدُّعْ داخـل الطائفة المارونية، فالأزمات في واقعها الحالي ومع الفراغ المستجِّد في مقام رئاسة الجمهورية بلغتْ ذروتها وفي واقعها تؤسِّسْ لخلاف ماروني – ماروني ركيزته حب السلطة وجوهره تناتش حصص وتجيير السيادة والدولة للغريب مقابل حفنة نوّاب في المجلس النيابي وكرسي رئاسي من دون صلاحيات ، ومجموعة وزراء في مجلس وزاري غير منسجم ومُشبَعْ بالخلافات ذات المصالح الخاصة.
إنّ المنافسة على قيادة الموارنة حالياً سيُدخلنا في آتون الخلافات الكبيرة القاتلة والتي ستؤدي حتماً إلى الإنهيار التام فيما لو إستقرّ هؤلاء في مشروعهم الإنهزامي… وهل يعقل أنْ تُصبح المارونية السياسية أداة في أيدي الغرباء تستأسِدْ في الدفاع عن المشاريع التوسعية في المنطقة على حساب حضور الموارنة في لبنان وعلى حساب هويتهم وسيادة جمهورية 1920؟!
القادة الموارنة الحاليّون لا يمكلــون أي مشروع سياسي لبناني مستقل عن المشاريع التي تقترحها الدول التي ترعاهم سواء أكانتْ عربية أو أجنبية أو فارسية… أداء هؤلاء القادة الضعيف جرّدهُم من كل دعم محلّي وإقليمي ودولي، وقد تخلّت كل عواصم القرار عنهم والخوف اليوم أن تُمرِّرْ التسويات على حساب موارنة لبنان، ولا داعي لتذكير القُّرّاء الكرام بما حصل في العام 1990، حيث استهدفتْ التسوية في حينه بدايةً المارونية السياسية ودجّنتْ وشرّدتْ وأوقفت خيرة مناضليهم تحت ستار تهم جاهــزة ما زالت ماثلة للعيان، والملاحظ اليوم أنّ تلك الجماعة التي كانتْ السبب في إضمحلال الوجـود الماروني هي في أعلى السلطة الهرمية تتحاور وتتحالف مع من قتل وشرّد مناضليها، والأنكى تُجاهــــــــر بالدفاع عن المسيحيين وتدّعي المحافظة على حقوقهم، وكأنّ العقل الماروني العظيم ينسى من هم سببّْ علّته ومشاكله وإضمحلال الحضور الفاعل في جمهورية 1920 والعالم.
إننا أمام أمــر واقع ميأوس منه وكباحثين وكمركز أبحاث PEAC ، نستبعد أن يعي هؤلاء القادة المتزلفّون حقيقة ما تجنيه أياديهم السود… مرجعيات مارونية تبدّلتْ وبدّلتْ وتراختْ وساومت وسايرت، وباعتْ وطناً وشعباً وإنهارت أمام المحن وإستنزفتْ كل الطاقات الشبابية وضلّلت الرأي العام وأوهمته أنها تدافع عنه بينما هي عملياً تسهم في سحق المجتمع الماروني.
إنّ إستمرار هؤلاء في مراكز القرار هو طعنة في قلب المارونية السياسية وحتماً لا بُدّ من إنتظار الإنهيار الكبير… إنطلاقاً من غيّريتنا على مارونيتنا ووطنيتنا اللبنانية المؤمنة بصيغة العام 1943، نعتبر أنه ما من سبيل للتصّدي لأزمة المُحْلْ الحاصلة وإنقاذ المارونية السياسية وإخراجها من دوّامتها إلّا بحشد وتعبئة وتكتيل الطاقات والجهود ليشكِّل الموارنة الشرفاء رافعة تغيير وإنقاذ مسيحي – مسيحي، ولبناني – لبناني، يُخرجان لبنان والموارنة من براثن الاستبداد والفساد والخنوع وصولاً إلى قيادة ماورنية جديدة تؤسس لقيام مارونية سياسية تتفق مع معايير نهج مار مارون ومن سبقونا من رجال دين وعلمانيين شرفاء وإلاّ سيبقى السؤال مطروحاً: هل الموارنة ما زالـوا أمةً عظيمة؟!