1920: الذين لولاهم لما كان لبنان؟
2020: الذين لولاهم لما زال لبنان؟
ايها السادة، هو قرن كامل بين علامة التعجب و علامة الاستفهام…
كلنا في هذا الشرق الاوسط الذي حدوده حدود الغيب عند المفترق. أهنا البدايات ام هنا النهايات؟ ديفيد هيرست سخر منا كثيرا حين سأل لماذا لا يتفق السنة و الشيعة على بلقنة…العالم الاخر؟
حديثنا عن الموارنة الذين ليسوا فرنسيي الشرق، كما وصفهم الملك (القديس) لويس التاسع، بل لبنانيي الشرق، وليسوا الوردة بين الاشواك كما وصفهم البابا لاوون العاشر في رسالته الى البطريرك شمعون الحدثي، بل الوردة( او الشوكة) بين الورود( او الاشواك).
النابغون منهم ليسوا احفاد اريسطو وتوما الاكويني وفريديدريك نيتشه بل هم احفاد قس بن ساعدة، وابن رشد وابي حيان التوحيدي، والا كيف للغة، وللفلسفة، ان تتألق، وان تزدهر، على ايديهم وبين ايديهم؟
ليس الموارنة وحدهم الذين يتقهقرون الان. كل الاقليات، وكل الاكثريات، تتقهقر، ولكن في لبنان اين هم الموارنة؟ على ضفتي هذا اللبنان وذاك اللبنان. يقول لنا اسقف فذ «لم نعد صخور ذلك الزمان، والا لما ذرتنا، هكذا، الرياح».
نستعرض الرؤساء في لبنان. غريب ذلك التعرج، او ذلك التأرجح، بين المفكر والغبي، بين القديس والقاتل، بين اللاعب وحجر الشطرنج، بين الناسك والقهرمانة. هذه احوال السياسة على كل حال. من يتصور ان الجمهورية الخامسة تبدأ بشارل ديغول وتنتهي بفرنسوا هولاند؟
ربما كان الخطأ القاتل ان تولد دولة من اجل طائفة( هل قال الانجيل بأرض ميعاد للموارنة؟). الخطأ القاتل ان تموت دولة على يد طائفة. الاسقف اياه قال لنا «كنت اتوقع بعد وثيقة الطائف ان يتوقف صراع الادغال بين الموارنة والموارنة لان رئيس الجمهورية اضحى نصف رئيس جمهورية. ربما اقل. الذي حدث هو العكس تماماً».
بكلمات مكفهرة قال لي «قد تجد الموارنة يقتلون بعضهم البعض من اجل وظيفة شرطي بلدي».
حين بدأ التواصل بين التيار الوطني الحر وحزب » القوات اللبنانية»، ولكأنه التواصل بعد حرب الثلاثين عاما، قيل ان الحوار حول الجمهورية لا حول رئاسة الجمهورية. في آخر المطاف اعلان نوايا. ايها الجنرال وايها الحكيم، اين الجمهورية؟ واين رئاسة الجمهورية؟
قال لنا صديق وزميل ماروني «هذا قدر الاقليات، ان تمزق بعضها البعض». ما بال الاكثرية؟ وهل المسلمون ما زالوا مسلمين حقاً؟!
وحين تتفلت رئاسة الجمهورية من ايدي الموارنة، ويفترض ان تبقى صناعة محلية لكي نغادر ولو مرة واحدة سراويل القناصل، كيف للجمهورية ان تبقى في ايديهم، وفي ايدي شركائهم؟ لم يكن لدى البطريرك مار بشارة بطرس الراعي سوى شعار بكلمتين «الشركة والمحبة». في هذا الشرق لا يتعايش الاخ مع اخيه. ذاك الذي في وسط الحلبة هو قايين، وهو يبحث عن اخ اخر ليحطم رأسه بالحجر..
لكن مأزق الموارنة هو مأزق بقاء. صحيح اننا لا نعلم ما اذا كان الصراع بين السنّة والشيعة هو صراع على الدنيا (وليس لهم موطىء قدم فيها) ام صراع على الاخرة (من قال ان لهم موطىء قدم فيها؟)، ولكن بامكانهم ان يتقاتلوا لاكثر من مائة عام، بعدما اختزنوا الضغينة لاكثر من الف عام، ماذا عن الموارنة الذين تبعثروا على ضفتي الصراع؟
على الارض قتال سيزيفي على استقطاب القاعدة، في احيان كثيرة على شراء القاعدة ما دمنا قد عدنا الى ازمنة الدنانير، واكياس الدنانير، فيما الطائفة كلها تضمحل إن بالهجرة او بالتبعية او بالتيه…
يقول لنا الاسقف « هل تعلم كيف ننقذ الموارنة من الموارنة؟ يلتئم ذلك السنودس السياسي، وتحت عباءة البطريرك، ويعلن «الاقمار الاربعة» حل التيار الوطني الحر وحزب «القوات اللبنانية» وحزب الكتائب وتيار المردة…
ما البديل في هذه الحال؟ يكفي ان يتوقف القتال، القتال بالسلاح الابيض احيانا، فالقصة قصة لبنان، ولا احد ينتشله من المجهول سوى ان يقف الموارنة( والمسيحيون) بين السنّة والشيعة ويقولون بالصوت العالي: نحن هنا؟ اجل، نحن هنا ولسنا هناك وهنالك وهلمجرا…
ذات يوم، قال البطريرك الراعي، وكان على رأس ابرشية جبيل، ان السنة والشيعة يتصارعون على من يرث الموارنة. لا احد يرث الموارنة سوى الموارنة، ولكن بلغة اخرى، وبرؤية اخرى. في هذه الحال، لماذا لا يكون البطريرك رئيسا للجمهورية؟
ان يكون بطريركا على اللبنانيين لا بطريركا على الموارنة. اي حل آخر، فالمهم الا يبقى الصراع على لا شيء، على تقاسم الضحايا، لان تبعثر الموارنة يعني تبعثر لبنان،وقد تبعثروا وتبعثر. طائفة تثور على نفسها وتلمّ الشمل. لعل الطوائف الاخرى تثور على نفسها وتلمّ الشمل لا ان تبقى موزعة بين ثقافة الراقص وثقافة المهرج. بين ثقافة القاتل وثقافة القتيل!!