Site icon IMLebanon

الموارنة… من «أم الصبي» الى «الصبي الضائع»

تُطرح قضية مسيحيّي لبنان والشرق في كل المحافل الدولية، وتقع المهمة الكبرى على عاتق الموارنة الذين يملكون القدرات السياسية والبشرية والجغرافية من أجل الصمود والمواجهة، ولهم في هذا الميدان ألف جولة وجولة.

في إحدى الإجتماعات المهمة التي جمَعت مسؤولاً مارونياً كبيراً مع مسؤول رفيع في الإدارة الأميركية منذ ما يقارب العامين خلال زيارة الأخير إلى بيروت، قال المسؤول الماروني: «إننا لا نطلب حمايتكم أو مساعدتكم لطائفتنا الكريمة.

ونحن لم نتحرّر من احتلال لنقع تحت رحمة احتلال آخر، فكل ما نطلبه منكم، بما أنكم تمثّلون الدولة العظمى التي لها النفوذ الأكبر في العالم، هو مساعدة الدولة اللبنانية والجيش وتسهيل انتخاب رئيس للجمهورية، وحماية المجتمع الدولي لمسيحيّي الشرق بعدما انهارت دولهم وسيطرت شريعة الغاب».

هذا الكلام ردّده المسؤول الماروني مجدداً خلال زيارته أميركا منذ فترة، لكن بنبرة أعلى لأنّ حجم الإرهاب العالمي قد ارتفع ووصل الى أوروبا والغرب.

لكنّ كل تلك المطالبات قوبلت بكلام «شِعري»، مفاده أنّ «الموارنة هم العمود الفقري الحامي لمسيحيّي الشرق وهم من يتصدرون المراكز القيادية في الدولة اللبنانية ولهم امتدادهم وعلاقاتهم مع الغرب وحنكتهم في التعاطي مع السياسة الإقليمية والدولية، فهم كانوا لاعبين إقليميّين طوال فترة الحرب الباردة ومرحلة «حلف بغداد» وما رافقه من مواجهة بين اليمين المسيحي بقيادة الرئيس كميل شمعون الذي قاتل حتى لا يذوب لبنان في محيطه ويفقد خصوصيته، وما سمّي بالتيار العروبي بقيادة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر الذي كان يطمح للوحدة بين الدول العربية».

وأمام الواقع الذي فرَضته التطورات السياسية والإرهابية، تطرح علامات استفهام عن مدى قدرة الموارنة على مواكبة المرحلة والتأسيس لمرحلة الهجوم من اجل إنقاذ ما تبقى من مسيحيّين في الشرق. من هنا، تطرح أسئلة عن طريقة تصرّف الموارنة ليكونوا فعلاً «أم الصبي» وحماة مسيحيّي الشرق.

لم يرق للموارنة أن يشاهدوا القرى المسيحية تتساقط الواحدة تلو الأخرى في العراق وسوريا، لكنّ هذا الأمر لم يدفعهم الى حمل السلاح والذهاب قوافل للدفاع عنها لأنّ حجم الهجوم «الكاسح» لا يسمح لأيّ قوة بالوقوف أمامه. لذلك، يسقط الخيار العسكري في مناطق هي أساساً ساقطة عسكرية.

ويبقى أمام موارنة لبنان التفكير في الحلول السياسية التي ربما تساعد في تخفيف الجراح وليس الشفاء العاجل، لأنّه كما قال البابا فرنسيس «العالم دخل في حال حرب». لذلك يتوجّب على الموارنة فعل الآتي:

أولاً: تأمين المظلة السياسية لمسيحيّي لبنان والشرق عبر انتخاب رئيس للجمهورية يكون الناطق باسمهم، خصوصاً أنّ لبنان هو عرّاب مسيحيّي الشرق، وقدّ تدخّل سابقاً في قضايا مهمّة مثل تحرير راهبات معلولا، ونَجح.

ثانياً: تحصين الساحة الداخلية المارونية عبر توسيع التفاهمات لتشمل جميع القادة السياسيين والروحيين، والاتفاق على الخطوط العريضة.

ثالثاً: وقف الهجرة المسيحية من لبنان، لأنه وكما كانت قنوبين ومنطقة الجوار الخزّان الذي انطلق منه الموارنة ليصلوا الى الشريط الحدودي وكل العالم، يجب أن يكون لبنان نقطة عودة مسيحيّي الشرق الى بلدانهم بعد توقّف الحروب.

رابعاً: خطة عمل سريعة للكنائس الشرقية بقيادة الكنيسة المارونية وفتح الأملاك والأرزاق أمام المهجرين للحفاظ عليهم في الشرق، وعدم جعل لبنان نقطة عبور الى الغرب.

خامساً: صحوة مارونية شاملة، والتفكير في المصلحة العامة وعدم الغرق في البحث عن «جنس الملائكة» وتجنيد كل مؤسساتهم الدينية والسياسية والخدماتية والفكرية من أجل وضع خطط لطريقة التعامل مع المرحلة.

لذلك، فإنّ قادة الموارنة السياسيين والروحيين أمام واقع سيّئ، وعليهم أن يجدوا الحلول اللازمة لصَون مسيحيّي لبنان والشرق، وبلدهم. وبما أننا بلد ديموقراطي، سيكون التنحّي الحل الأنسب إذا لم ينجحوا في هذه المهمّة، لأنّ الزمن ليس زمن خنوع أو ركوع أو استقالة من الواجب. فالظروف أقوى من الواقع والأحلام، وكرسي رئاسة الجمهورية لا قيمة له إذا كان الرئيس سيحكم نفسه بلا شعب ينبض بالحياة.