شكّل مؤتمر سان فرنسيسكو تظاهرة مارونية في الولايات المتحدة الأميركية، أراد من خلالها القيّمون على هذا الحدث إظهارَ أهمية الحراك الماروني في قلب الدولة التي تحكم العالم، وأنّ الوجود المسيحي اللبناني في عاصمة القرار مؤثّر على رغم ما يعانيه مسيحيّو الشرق من تهجير وتراجع.
أكثر من 1000 شخصية مارونية إحتشدت في مؤتمر سان فرنسيسكو الذي بدأ اعماله الثلثاء الماضي وينتهي اليوم. وشكّلت إستعادة الجنسية للمتحدّرين من أصل لبناني، والتمسّك بالأرض، ورئاسة الجمهورية، أهم ثلاثة موضوعات في المؤتمر وفي زيارة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الى أميركا.
«لا موارنة من دون لبنان، ولا لبنان من دون موارنة»، هذه المقولة كانت الأساس في خلفيات المؤتمر وعمق تفكيره ونقاشاته، إذ إنّ لبنان في المفهوم الوطني والديني، هو أساس عقيدة الموارنة، وهذا الأمر يدلّ على الربط بين البعدين، وإذا فُقد أحدهما تصبح العقيدة المارونية في خطر على رغم النجاحات التي حققها الموارنة في بلاد الإغتراب ووصولهم الى أعلى المناصب.
المشاركة في مؤتمر سان فرنسيسكو كانت كثيفة، وقد حضر كهنة من أبرشيات أميركا: مار مارون، بروكلين، وسيدة لبنان. وترأس البطريرك الراعي كلّ أعمال المؤتمر، وتحدّث الى الكهنة عن رسالتهم وخدمتهم الراعوية وحاجات الرعايا والتحديات. وكانت «الليتورجيا المارونية وكيفية الحفاظ عليها» الطبق الأساس على طاولة المؤتمر الذي تعدّدت الآراء فيه وتنوّعت، وشكّلت صورة مصغّرة عن العقلية المارونية المتنوّعة.
ركّز الراعي في المؤتمر ومن خلال لقاءاته الجانبية وإجتماعاته مع الوفود على خيار لبنان كوطن أول وأخير للموارنة وأن لا بديل عنه، اذ إنّ هذا الأمر شكّل السمة الأساس لنشاطه وحركته، وقدّ حذّر البطريرك من أنّ لبنان يخسر الكثير من أبنائه، والحضور الماروني والمسيحي يتقلّص، وتوجّه الى الفاعليات المارونية في المؤتمر قائلاً: «إحملوا قضية لبنان ومسيحيّي الشرق الى المجتمع الأميركي وإدارته السياسية، أما الخدمة الكبرى التي تؤدّونها للبنان وشعبه فهي أن تسجّلوا قيود نفوسكم الشخصية لدى البعثات الديبلوماسية بالتعاون مع المؤسسات البطريركية المنتشرة وكهنة الرعايا، وأن تكتسبوا جنسيّتكم اللبنانية التي تضمن كلّ حقوقكم المدنية».
أما الموضوع الثاني الذي ركّز عليه الراعي خصوصاً أنه ينعكس تراجعاً في الحضور المسيحي في لبنان والشرق إضافة الى الديموغرافيا، فهو الجغرافيا التي أرهقت المسيحيين في الأعوام الماضية، من خلال بيوعات الأراضي الكثيفة.
وفي هذا الإطار، أكّد الراعي أمام الحاضرين أنه «من المهم جداً أن تحافظوا على بيوتكم وأراضيكم في لبنان، لأنّ الأوضاع متّجهة لصالحنا سياسياً واقتصادياً، فمَن يملك الأرض يملك القرار، كلّ شيء يتغيّر، سياسياً واقتصادياً، لكنّ الأرض تبقى والملكية تبقى بكامل حقوقها، وأنّ أغلى إرث تتركونه لأولادكم هو جنسيتكم اللبنانية وأرضكم».
بين الديموغرافيا والجغرافيا، حضرت الرئاسة في لقاءات الراعي، خصوصاً أنّ النشاط الماروني في الخارج مهمّ جداً لدفع عجلة الإستحقاق، ومع أنّ الأجواء في لبنان تشير الى عدم إجراء إنتخابات رئاسية قريباً على رغم لفحات التفاؤل الجديدة، لكنّ الراعي طلب من الوفود الفاعلة التحرّك لدى الإدارة الأميركية، مع علمه أنّ هذا الملف يخضع لموازين قوى إقليمية ودولية، وأنّ الوقت لم يحن بعد لنضوج الطبخة الرئاسة.
شكّل مؤتمر سان فرنسيسكو منبراً مارونياً متقدّماً في أميركا، فيما المنابر المارونية واللبنانية في الداخل تضجّ بـ«حركة بلا بركة»، إذ إنّ الزيارات الدولية الى وطن الأرز لم تفعل فعلتها، وكأنّ لبنان يحتاج دائماً الى رعاية، وأبناؤه غير قادرين على تسيير شؤونهم بأنفسهم.
وهنا يُطرح السؤالُ الآتي: ما أهمية أن نتحدّث عن الجذور والأرض والأرز في الخارج وندعو اللبنانيين الى العودة بينما الداخل يحرق الأرزة داخل العلم؟ فهل ندعوهم للعودة الى أرض محروقة فقدَت كلّ مقوّمات الحياة؟