حسابات رئاسية على طاولة بري ــ جنبلاط
موارنة «14 آذار» والحوار: حبة «فريز» فوق قالب الحلوى
تلا سعد الحريري «فعل الضمانة» أمام حلفائه، وتحديداً الموارنة منهم، واعداً إياهم بـ»عدم بيعهم بالرخيص» الى مائدة الحوار مع «حزب الله»، حين تُفلش الأوراق وتبدأ رحلة البحث عن صاحب الحظ السعيد.
اتصل بأمين الجميل وبسمير جعجع ليبغلهما شخصياً بأنّه لن يعقد صفقة من تحت الطاولة، وبأنّ المشاورات الثنائية لن تقود الى اتفاق على هوية خلف ميشال سليمان واسمه، لأن الكلمة الفصل ستبقى لأبناء مار مارون.
قال هذا الكلام في الاتصال الهاتفي، بعد أن أعلنه أمام الجمهور بأنّه لن يسمح لحلقة الحوار الثنائي مع الضاحية الجنوبية، بأن تحسم السباق، وتحيل أحد «مشاريع المرشحين» إلى مرتبة الفخامة. حاول إقناعهم بأنّه لن يتخطى صوتهم ولن يتجاوز دورهم… لكن كل هذا الكلام المعسول لا ينفع.
في العلن رحبت قوى «14 آذار» بالمبادرة الحوارية التي يستعد «المستقبل» لخوض غمارها. لكن داخل المكاتب المغلقة، لا تزال الشوكة عالقة في حلق كل ماروني تقنعه حساباته بأنّ المسافة بينه وبين قصر بعبدا، لا تتعدى الأمتار.
لم يهضم رفاق الشيخ سعد هذه اللهفة في مجالسة خصومه، حتى لو كان من باب السعي لإحداث تقاطع قد ينفض الغبار عن الكرسي المخملي، ولو انّه ترك لهم الحدفة الأخيرة لتتويج «الملك» وتسمية الرئيس العتيد. فهم يعرفون جيداً أنّ ما يفعله الرجل سيضعهم خارج لوحة الشطرنج، وسيحولهم إلى جمهور متفرج، لا يملك الا حق التصفيق، مهما خدعه المخرج ببعض الفنون البصرية.
في قراراة أنفسهم يدرك موارنة «14 آذار» أنّ انتقال سعد الحريري من مربع المواجهة المستميتة مع «حزب الله» إلى مربع المهادنة، لا بل إلى فضاء الأخذ والرد، سيكون مكلفاً عليهم، لسبيين:
– الأول، هو إحالة كل موارنة هذا الفريق إلى التقاعد الترشحي. وقد قالها الرجل بالفم الملآن: لقد حان وقت البحث الجدي عن خيار توافقي، لا تنطبق مواصفاته، لا على أمين الجميل، ولا على سمير جعجع، ولا على بطرس حرب…
– الثاني، هو أنّ أي اتفاق قد يحصل بين «المستقبل» و»حزب الله» مدعوماً من وليد جنبلاط، الراعي غير المباشر للحوار، ومن الرئيس نبيه بري الوصي الرسمي على جلسات التشاور، يعني أنّ مسيحيي «14 آذار» سيكونون محرجين في رفض هذا الاتفاق، لأنهم سيتهمون بعرقلة الرئاسة وتمديد زمن الشغور. يعني عملياً، ستصبح موافقتهم أشبه بحبة «الفريز» فوق قالب الحلوى.. للديكور فقط.
هذا السيناريو بالتحديد، هو ما يقلق أذهان هؤلاء، يلعب على وتر الحساسية والخوف من «اتفاق رباعي» قد يسقط فجأة فوق رؤوسهم، ويضعهم أمام الأمر الواقع: السير به كما هو.. أو رفضه.
لا يخفي مسيحيو «14 آذار» هذا الانطباع أمام محدثيهم، لا بل يؤكدون أنّ الحوار المباشر يعني حكماً قطع الطريق على أي دور قد يقومون به، حيث لا تنفع تطمينات الشيخ سعد ولا تؤتي ثمارها في دفعهم الى النوم على وسادة من حرير.
لكن بالتفصيل، يتبيّن أن «حكيم معراب» لا يصيبه الإحباط، لأنه مدرك أنّ كرسي بعبدا بعيد المنال، سواء جالس الشيخ سعد خصومه أم أدار لهم ظهره. يعرف أنّ قدمَيْه لن تطآ عتبة القصر في المرحلة الراهنة، ولهذا فإنّ الاتفاق الثنائي، قد يبعده عن الطبخة ليس أكثر، كشريك وليس كبطل لها.
لكن بالنسبة للرئيس الجميل، فالمسألة مختلفة. حتى اللحظة لا يزال الرجل مقتنعاً بأنّ حظوظه لم تنتف وأنّ الفرصة لا تزال أمامه، ويكفيها دفشة من هنا ومن هناك كي يحطّ رحاله في القصر. ولهذا لم يقنع بشطبه عن القائمة الذهبية بشحطة قلم حريرية، لا بل يبدو متمسكاً بقشة الأمل، وبالحوار غير المنتظم الذي شبكه مع «حزب الله»، ليواجه «تسونامي» الخيار التوافقي.
أما بطرس حرب فيعرف حدود اللعبة، ولا حاجة لمن يخبره أنّ العلاقة السيئة مع «حزب الله» التي تبعده مسافة سنوات ضوئية عن الضاحية الجنوبية، تدفع بترشيحه إلى المراتب الأخيرة.
ما يزيد من شكوك هؤلاء أنّ المائدة الحوارية صارت شبه جاهزة، تنتظر جلوس الضيوف اليها، بعدما جرى الاتفاق على «قائمة الطعام» وهي تشمل حتى اللحظة بندين أساسيين: تهدئة الشارع والانتخابات الرئاسية. وإذا ما تمّ الاتفاق في مرحلة لاحقة على توسيع مروحة القضايا، فسيكون بمثابة قيمة مضافة للحوار الثنائي.
طبعاً، لا يبدي كل «المستقبليين» حماسة زائدة للقناة الحوارية مع الضاحية الجنوبية، من دون أن يعني ذلك أنّ بعضهم يعارضها. لكن الرئيس فؤاد السنيورة، يميل بطبعه إلى الحسابات المعقدة، التي تجعله يسير على خطى السلحفاة في أي مسار قد يسلكه، فيدقق في الشاردة والواردة قبل أن يخرج ما في جعبته من موقف أو قرار.. على عكس «رئيسه» الشاب المستعد للذهاب بعيداً في قراراته، حتى لو كانت باهظة الثمن.
وهكذا يصرّ السنيورة على أن تكون ملائكته حاضرة في الجلسات المرتقبة من خلال إيفاد ممثل عنه، يفترض أن يكون شريكاً في الحوار مع «حزب الله»، وقد يكون من باب «فرملة» اندفاعة نادر الحريري، في حال سار الأخير على خطى ابن خاله.